لم تكن تلك السيدة الارستقراطية صاحبة السيارة 4?4 هي الوحيدة التي تستوقفني لتطلب مني اتباع منهج بن لادن أو ما يعتبرونه هجوما عليه، بل كلما حطت رحالي بالمملكة السعودية حجا أو عمرة لا أمل من استيقاف سعوديين لي في باحات الحرمين الشريفين أو داخلهما يعبرون عن محبتهم لشخصي غير أنهم يحبون بن لادن ويطالبونني عدم انتقاده، بل أذكر أنني كنت في ضيافة احدي الشخصيات الدبلوماسية العربية أثناء شهر رمضان الماضي علي مائدة إفطاره في أحد الفنادق الكبري المواجهة للحرم مباشرة والتي تقع في حرمه، وبينما كنا نصلي التراويح وأثناء استراحة بها عرفني مسئول عربي يمني محافظ أحد مدنها الرئيسية بنفسه ولم يكد يهمس في أذني عن صحة معلومات ترددت في تلك الأثناء عن وفاة بن لادن ولم أزد عن قولي إنه بخير حتي هتف "الله أكبر" وعانقني ثم انصرف !! حاولت أن أبين لتلك السيدة وانصرفت سريعا ثم لمحاوري الشاب الطيب أن البون شاسع بين النقد لبعض المواقف وبين الهجوم، وذكرتهما بمواقف معاكسة تنتقدني بقسوة لأني أحترم بن لادن وأتحدث عنه باحترام زائد كما يقولون، وتذكرون حينما واجهني بتلك الاتهامات دواود الشريان في برنامجه اللامع "في المقال " لا شك أنني بالفعل أحب أسامة بن لادن، وأحترم مواقفه وتضحياته في سبيل اعتقاداته، لا سيما القضية الرئيسية التي تتعلق بتعرية مواقف الامريكان وكشف مخططاتهم في بلادنا العربية وانحيازهم السافر لاسرائيل، وأسامة بن لادن الذي ولد بالرياض في عام 57 لا شك نشأ في رعاية أبوين لهما من حب الدين مكانة كبيرة، فوالده ساهم في توسعة الحرمين الشريفين بشركاته العملاقة، بل تكفل بإعادة بناء الحرم القدسي بعد الحريق الذي تعرض له عام 69 في مثل تلك الأجواء الخيرة الطيبة المحبة للإنفاق في سبيل الله ولد بن لادن، وكانت انطلاقته الأساسية في هذا المضمار مع الحرب الأفغانية التي ذهب إليها كمسلم عربي وذهب إليها منفقا في سبيل الله وكانت شهادة الدكتور الشهيد عبد الله عزام التي حفظها في مذكراته بقوله عنه " وأدعو كثيراً لمن تكفل هذا المكتب بماله الخاص، وهو الأخ أبو عبد الله أسامة بن محمد بن لادن، أدعو الله أن يبارك له في أهله وفي ماله ونرجو الله أن يكثر من أمثاله، ولله أشهد أني لم أجد له نظيراً في العالم الإسلامي فنرجو الله أن يحفظ له دينه وماله وأن يبارك له في حياته " وحينما تعرضت بالنقد لما جري في نيويورك وواشنطن لم يكن هذا عداء أو هجوما عليه بقدر ما كان موقفا ينبغي التعبير عنه في إطار التعددية داخل الحركة الإسلامية وقد ثار كلام كثير حول غياب الرجل أو اختفائه، وربما دفعت أجهزة الاستخبارات دوائرها لترديد هذه التساؤلات لتدفعه إلي نفي المعلومات التي تتردد حول وفاته، وتتمكن بالتالي من تحديد مكان اقامته، وأيضا كثير من محبيه يتساءلون عنه محبة ونصرة، معلومات تتردد بين الحين والآخر حول وفاته أو مرضه مرضا عضالا، لكني أظن أن غياب الرجل إنما لظروف أمنية وتنظيمية شديدة الخصوصية حفاظا عليه باعتباره المطلوب رقم واحد في العالم، ومن المؤكد أن مكان إقامته يختلف عن مكان إقامة الدكتور أيمن الظواهري وتلك فرضية أمنية بدهية بعدم تجمع القيادات الكبيرة في مكان واحد، تأتي المحافظة علي بن لادن رغبة في استمرار المحافظة علي كيان القاعدة ببقاء زعيمه حرا طليقا أو أمنا، كما أن هيئة الشيخ وطريقته ربما لا تساعدانه علي كثرة التنقل أو المغامرة كما يعتاد الظواهري ذلك، فالدكتور الظواهري قيادة حركية اشتغل طوال عمره داخل الحركة الجهادية بالعمل الحركي لكن المؤكد أنه علي قيد الحياة، لأن غاية المراد للمجاهدين العمل لدين الله حتي النصر أو الشهادة، حتي لو تحققت الوفاة بفعل المرض فمن حق المجاهدين أن يحولوه إلي رمز كبير للجهاد ضد الأمريكان . وحينما أوشك لقاءنا أن ينتهي ويستعد كل منا إلي الذهاب في طريقه شعرنا بألفة كبيرة وتقارب المساحات، فلا شك أن الشباب العربي عامة يعاني من فقر الحوار مع مستويات مختلفة داخل المجتمع، وهي أزمة مجتمعية عربية إلي حد كبير، وتعاني مصر بشكل أكثر خصوصية من أزمة الحوار أو تفشي ظاهرة ما يمكن أن تسمي " بحوار الطرشان" ، والإعراض عن الحوار يبدو واضحا من المؤسسات الدينية الرسمية وأيضا من المؤسسات السياسية الشرعية مثل الأحزاب . وأفة الحوار أن تكون له نتيجة مسبقة يرغب طرفا الحوار في الوصول إليها ومحاولة إثباتها، وإذا كان الحوار موجها فقد انتفت الغاية التي توخاها الشارع الحكيم من الحوار ( ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )، وقد جاءت تجارب الحوار التي تمت في معية السلطة مخيبة للآمال، فالسلطة اعتبرت الحوار توبة من جانب الشباب المسلم الذي دخل في صدامات معها أو نفور بينها وبينه لاختلاف السياسات أو التوجهات، ومن ثم لم يكن لديها رغبة حقيقية في تقصي أسباب المرض ووضع آليات عبوره أو الشفاء منه، وقدرت أن الحوار يعني تلقين هؤلاء دروسا فقهية تؤدي إلي ولائهم للدولة أو الحكومة وعدولهم عن " كل " الأفكار التي اعتملت في عقولهم ونفوسهم من رغبة في الخير والفضيلة والأخلاق والعدل ومكافحة الفساد وإعمال الشريعة روحا ونصا حتي حوار النظام السياسي أو الحكومات مع المعارضة أو الأحزاب السياسية هو جنس ما سلف، فهي تريد موالاة تلك القوي لها وتعطي علي ذلك رغبا ورهبا ما يحقق ذلك الولاء ولقد استفدت من تجربتي الحوار مع ذلكم الشاب الثائر الذي يحمل إخلاصا كبيرا أو مع غيره من الشباب الطيب الذي يولي وجهه تجاه الخير والدين ومكارم الأخلاق غير أنه لا يلقي العون علي رغبته، فلا ينبغي أن نهمل ملامح المعاني الطيبة في جوانح الشباب الغيور علي دينه أو وطنه، وإن غالي بعضهم أو تشدد، فطغيان الحكم عليهم ونواياهم من منظور العنف والتطرف يضر بالوطن وقيم الحوار والرغبة في اجتذاب هؤلاء الغيورين إلي مساحات تحتاجها الأوطان لاستقرار الفضيلة ودوران دولاب العمل والتنمية بشكل سليم وصحيح