في الوقت الحالي، لا يقل حماس "الديمقراطيين" وانفعالهم بالانتخابات الحالية، عما كانوا عليه في عام 1992. فهم في موقف يمكنهم من تأمين ما يكفي من المقاعد لاستعادة سيطرتهم علي مجلس النواب، بل وربما علي مجلس الشيوخ أيضاً. وبالنسبة للكثيرين منهم، لاسيما النساء، فإن فكرة تولي "نانسي بيلوسي" لمنصب الناطق الرسمي باسم مجلس النواب وهي المرة الأولي التي ربما تتولي فيها امرأة هذا المنصب في التاريخ الأمريكي فإنها تشكل أفقاً جديداً ومثيراً للاهتمام. أما قدرة "بيلوسي" فعلاً علي التمكن من الحصول علي الخمسة عشر مقعداً اللازمة لتوليها المنصب المذكور، فذلك يعتمد إلي حد كبير علي موقف الناخبين من حزبها، أكثر منه علي مدي تذمر هؤلاء الناخبين من الحزب "الجمهوري" والرئيس بوش، خاصة فيما يتصل بسياسات إدارته حيال العراق. غير أن الذي لاشك فيه البتة، هو أن الجنوب الأمريكي، سيكون أرض المعركة الفاصلة التي ستتمكن أو تفشل فيها "بيلوسي" في الحصول علي أغلبية حزبها اللازمة لبلوغها غايتها. ومما لاشك فيه أيضاً أن تيار الأغلبية الانتخابية الجارف الآن، سيطيح بعدد من الأعضاء "الجمهوريين" المرشحين في الجنوب الأمريكي. وضمن ذلك يخوض هيث شولر، نجم كرة القدم السابق من ولاية تنيسي، معركته الانتخابية الحامية ضد منافسيه "الجمهوريين" في غربي ولاية كارولينا الشمالية. كما يأمل "الديمقراطيون" أيضاً في اصطياد مقعدي ولايتي تكساس وفلوريدا، اللذين أخليا من جانب "مارك فولي" سيئ الذكر، و"توم ديلي" زعيم الأقلية "الجمهوري" الذي أبعد من منصبه. غير أن المتوقع أن يكون ثقل الفوز "الديمقراطي" في الخط الجغرافي الواقع شمالي ماسون ديكسون، وهي المنطقة الواقعة غربي نهر المسيسيبي. وفي الحقيقة فإن ثلاثة أرباع المقاعد التي يتوقع للجمهوريين خسارتها، إنما تقع في تلك المنطقة التي أطلق عليها تسمية "المستطيل الديمقراطي". وفيها ترجح خسارة ثلاثة من المقاعد "الجمهورية" في خمس من ولاياتها، هي كنتاكي وإنديانا ونيويورك وأوهايو وبنسلفانيا. يضاف إلي ذلك أن قدرة المرشحين "الديمقراطيين" في ولايات نيوهامشير وإلينوي وويسكونسن، تعد منافسة هي الأخري. بل يسعي "الديمقراطيون" لاصطياد مقاعد في مناطق ودوائر انتخابية عرفت تاريخياً بأنها مناطق مغلقة للجمهوريين، مثلما هو في شرقي واشنطن وغربي إيداهو ووسط نيو مكسيكو وجنوب شرقي أريزونا ووايومنج. إلي ذلك يلاحظ بروز تيار انتخابي "ديمقراطي" شبيه، يرمي لاستعادة سيطرة الديمقراطيين علي مجلس الشيوخ. وبالنتيجة فقد أصبح لزاماً علي هاري ريد، زعيم الأقلية في المجلس، أن يؤمن لنفسه ما يكفي من الأصوات المؤيدة له في ست ولايات، إضافة إلي اكتساح نيوجيرسي، حتي يتمكن من الحصول علي أغلبية ال50 مقعداً المطلوبة لتأمين الأغلبية "الديمقراطية" فيه. أما الفوز بهذا المقعد السادس والحاسم في هذه المعركة، فيعني إما فوز هارولد إي. فورد، وهو "جمهوري" من ولاية تنيسي، علي منافسه الجمهوري بوب كوركر، عمدة كاتانوجا السابق، أو أن يتغلب جيمس ويب، وزير البحرية السابق في إدارة الرئيس رونالد ريجان، علي منافسه جورج إلين، السيناتور "الجمهوري" عن ولاية فرجينيا. علي أن آخر استطلاعات الرأي العام التي جرت مؤخراً، تشير إلي تقدم كل من كوركر وألين. إلي ذلك يتوقع لأربعة سيناتورات "جمهوريين" آخرين، أن يخسروا مقاعدهم في المجلس، وهم: كونراد بيرنس، من ولاية مونتانا، ومايك ديفاين، من أوهايو، وريك سانتورم، من بنسلفانيا، ولنكولن كافي، من رود آيلاند. وحتي إذا ما فاز "الديمقراطيون" بأربعة مقاعد فحسب، من هذه المقاعد الستة الحاسمة، وتمكن كل من فورد وويب من استعادة مقعديهما في المجلس، فإنه سيصبح ممكناً الحصول علي أغلبية ال50 مقعداً، اللازمة لريد ساندرز، وذلك بحصد أغلبية 44 مقعداً من المقاعد غير الجنوبية، إلي جانب ستة مقاعد "ديمقراطية" فحسب. ولذلك فليس مستبعداً أن يحقق الديمقراطيون فوزاً ساحقاً علي "الجمهوريين" في هذه الانتخابات. هذا ويسري الاتجاه الإقليمي نفسه علي حكام الولايات. والمقصود بهذا أن ستة بين سبعة مقاعد يرجح فوز "الديمقراطيين" بها، تقع هي الأخري خارج الولايات الجنوبية. وعلي ما يبدو، فقد بات فوز مايك بيب، "الديمقراطي" والمدعي العام لولاية أركانساس، من باب اليقين المؤكد. إلي ذلك استطاع كل من المرشحين "الديمقراطيين": إليوت سبيتزر من نيويورك، وتيد سترايكلاند من أوهايو، تحقيق فارق انتخابي كبير بينهما وبين منافسيهما "الجمهوريين". أما في ولاية ماساشوستس، فيخوض المرشح "الديمقراطي" ديفيد باتريك سباقاً حامياً، يؤهله لأن يكون ثاني محافظ أسود لها، منذ تاريخ "إعادة البناء". فما الذي يعنيه هذا الاتجاه العام في انتخابات نوفمبر الحالية؟ الإجابة الموجزة والمباشرة عن هذا السؤال، هي أن الولاياتالمتحدة قد وصلت تواً إلي مرحلة إعادة الاصطفاف الحزبي أخيراً، وهي العملية التي بدأت منذ عام 1954، أي التاريخ الذي دون فيه قرار المحكمة العليا في قضية "براون ضد مجلس التعليم"، وما نجم عنها من نمو متسارع لحركة الحقوق المدنية في الجنوب الأمريكي.