مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي التي لا يفصلنا عنها سوي أيام، وفي ظل حقيقة مفادها أن شهر أكتوبر المنصرم كان واحداً من أكثر الشهور دموية للقوات الأمريكية في العراق، تجد إدارة بوش نفسها معرضة لضغط شديد لطمأنة الشعب الامريكي علي أنها لا تزال قادرة علي السيطرة علي الأوضاع في ذلك البلد ولإقناع القيادة العراقية بأنها لن تقوم بالخروج قبل استكمال مهمتها هناك. وبصرف النظر عن نتيجة انتخابات التجديد النصفي فإن أمريكا ستكون بحاجة لإعادة تقييم استراتيجيتها في العراق، وتخفيض سقف توقعاتها في ذلك البلد، وإعادة تعريف معني النصر فيه. ونتيجة للأوضاع الحالية فإن إدارة بوش مضطرة إلي النظر في عدة أفكار تتعلق بما يتعين عليها عمله للخروج من مأزقها في العراق. العديد من القوي التي دعمت الحرب علي العراق، وعلي وجه الخصوص "المحافظون الجدد"، تجد نفسها الآن في موضع الاتهام وهدفاً لمحاولات تريد أن تجعل منها كبش فداء لما يحدث هناك، مما جعل "المحافظين الجدد" يقومون بإلقاء تبعة ما يحدث علي "البنتاجون" تحت قيادة رامسفيلد، وعلي وزارة الخارجية تحت قيادة "كولن باول" والآن "كوندوليزا رايس". وبعض كبار "الصقور" في الإدارة ما زالوا يدعون إلي زيادة عدد القوات الأمريكية الموجودة في العراق، ولكن الإدارة لا تجد في نفسها الشجاعة لإرسال المزيد من القوات إلي بغداد. علي العكس من ذلك، نجد هناك ضغطاً سياسياً باتجاه إجراء عملية انسحاب مرحلي خلال الشهور القادمة خصوصاً علي ضوء استمرار ارتفاع أرقام الخسائر البشرية الأمريكية هناك. أما علي الصعيد السياسي، فإن معظم الاقتراحات المطروحة، تتمحور حول أن الفرصة الوحيدة لاستمرار العراق متماسكاً، هو منح قدر أكبر من الاستقلال الذاتي لمناطقه المختلفة في إطار فيدرالي فضفاض. وهذا الحل لن يكون مقبولاً من قبل السُّنة العرب، ما لم تكن هناك اتفاقية مضمونة خاصة باقتسام عوائد النفط. والتحدي الذي يواجه إدارة بوش في الوقت الراهن هو التوصل إلي استراتيجية معدلة لا تبدو من خلالها وكأنها قد تخلت عن كل ما كانت تعمل من أجله في المنطقة. وسيصل الضغط علي بوش لتغيير هذه المقاربة إلي مداه إذا ما تمكن "الديمقراطيون" من السيطرة علي مجلس النواب أو مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي. علاوة علي ذلك تجد الإدارة نفسها مضطرة إلي استعادة مصداقيتها المجروحة أمام الدول الإقليمية الكبري في المنطقة التي لا تزال تحتفظ معها بعلاقات جيدة وخصوصاً دول الخليج والأردن ومصر، وهي الدول التي فتح التخبط الامريكي في العراق عينها علي حقائق ستكون بحاجة إلي ما هو أكثر من الزيارات القصيرة التي تقوم بها كوندوليزا رايس من وقت لآخر لإقناع قادتها بعكسها. أما تعيين وزير دفاع بدلاً من رامسفيلد، فإنه سيرسل الرسالة الصحيحة، ولكنه يجب أن يكون مزوداً بصلاحيات تتيح له تخفيض الوجود الامريكي في العراق، والقيام في الوقت ذاته بطمأنة دول الخليج أن بلاده لن تتخلي عنها وتتركها وجهاً لوجه أمام إيران النووية الساعية إلي الهيمنة علي المنطقة. ويجب أن نضع في اعتبارنا أن امريكا لن تجد زعيماً عربياً واحداً لديه استعداد لأخذ أي مبادرة استراتيجية امريكية علي محمل الجد، ما لم يقم بوش بجهود أكثر تنسيقا لحل المشكلة الفلسطينية التي لا يتوقع أن تشهد انفراجاً بسبب الظروف الموضوعية السائدة في المنطقة والتطورات الحادثة في إسرائيل. ولكن ونظراً لأن جورج بوش معروف بعناده، فإن احتمال حدوث تغيير جذري في السياسة الأمريكية ليس كبيراً. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يحركه هو أن يكون لديه هاجس بشأن سجله كرئيس. فإذا ما ترك منصبه عام 2009 والعراق لا يزال غارقاً في الفوضي، وإيران آخذة في البروز كقوة نووية، والصراع العربي الإسرائيلي لا يزال بعيداً عن الحل، فإن فترة حكمه باعتباره الرئيس الامريكي الثالث والأربعين ستكون واحدة من أسوأ الفترات في التاريخ الامريكي الحديث.. وليست هذه بالتأكيد هي التركة التي يرغب بوش في توريثها لمن سيأتي بعده.