شهدت الفترة الأخيرة، نشر العديد من الأخبار والتحليلات عما يدور في كواليس حركة (كفاية) خاصة فيما عرف بلقاءات المقطم.. تلك اللقاءات التي لم تقتصر علي كونها دعوة للإفطار أو السحور في شهر رمضان الكريم بقدر ما هي نوع من حب الظهور الفضائي الذي أدمنه البعض، أو لعمل علاقات عامة مع المفكرين والمثقفين، وعمل روابط مع علية القوم من مختلف الأطياف تحسباً ليوم معلوم حسبما جاء في المذكرة الاحتجاجية التي أرسلها د. يحيي القزاز (واحد من أهم نشطاء كفاية) للجنة التنسيقية لحركة (كفاية). وهي المذكرة التي نشرت في بعض الصحف هذا الأسبوع، كما تم إرسالها عبر البريد الالكتروني للعديد من المجموعات والقوائم البريدية. لقد جاوزت حركة (كفاية) المبادئ التي تأسست عليها، وأصبح القائمون عليها يهتمون بالفضائيات أكثر مما يهتمون بالمضمون. وهو كلام نجده كثيراً في الرسائل الالكترونية لشباب (كفاية). وإذا كانت حركة (كفاية) تشهد نوعاً من الخلافات الداخلية الآن بسبب تسلط البعض، أو تجاهل البعض الآخر لقواعد عمل الفريق أي الجماعة التي من خلالها يأخذ أي كيان إطاره العام. فإن ما يعنينا في المقام الأول هو ردود الأفعال الخارجية للحركة علي اعتبار أن الخلاف بين أعضاء الحركة هو شأن داخلي.. يظهر كجبل الجليد الذي يطفو منه علي سطح الماء ما هو أقل شأناً مما يختفي تحت سطحه. وهو ما جعلني أتذكر ما كتبته قبل سنة تقريباً عن حركة كفاية حينما كتبت مقالاً بعنوان (إلي أصدقائنا في حركة كفاية: كفاية). وقد تساءلت حينذاك: متي نقول لحركة كفاية: (كفاية) لقد قمتم بواجبكم، وإن مقومات بقائكم قد انتهت!!. وقد أستدعي هذا الأمر أن نتعرف منهجياً علي الفرق بين (الحركة) و(الحزب) علي الأرضية السياسية. فالحركة تقوم بناء علي هدف محدد مرتبط بزمن محدد، أما الحزب فهو يقوم بنيانه بشكل أساسي علي أيديولوجيا وعلي موقف سياسي تجاه قضايا محددة. كما أن الحركة تكمن أهميتها في مدي نشر أفكارها في المجتمع.. خاصة بين الفئات غير المنتمية للأحزاب السياسية، وذلك علي النقيض من الأحزاب التي تستقطب من يعتنقون توجهاتها الايديولوجيه. وكنت قد رصدت أيضاً العديد من الملاحظات حول حركة "كفاية" في مقدمتها بعض المقولات التي قالها البعض، وأظن إنها كانت تحتاج إلي إعادة نظر، وعلي سبيل المثال: - "مقاطعة كفاية لانتخابات الرئاسة قرار صائب" وهي مقولة تؤكد في اللاشعور بالهوية المتخيلة لحركة (كفاية)، وكأنها حزب من الأحزاب التي قررت المشاركة أو المقاطعة للانتخابات... مع إننا نعرف ونقدر كونها حركة تضم في عضويتها العديد من الرموز السياسية والفكرية الذين اتفقوا علي أهمية التغيير. وبالتالي أشك في أن المقاطعة معناها سحب الشرعية من النظام.. لأنها تحمل بشكل أساسي مبدأ الإقصاء والاستبعاد بقرار شخصي. وهو ما ينطبق- أيضاً- علي المقولة التالية: - "قاطعنا انتخابات الرئاسة ولم نؤيد أي مرشح" وهي تؤكد علي الاستبعاد والانزواء.. إنها السلبية في أقصي درجاتها. فلا يمكن أن ندعو للتغيير وفي الوقت نفسه نعلن حالة الانسحاب. بالإضافة لأنها تكرس أيضاً مفهوم تلك (الهوية المتخيلة) لحركة كفاية في كونها كياناً سياسياً- علي غرار الأحزاب- يجوز له أن يقوم بالترشيح لرئاسة الجمهورية. وقد كان من الممكن أن (نتفهم) حسن النية والأهداف النبيلة في هذه المقولات.. لولا أن كافة مقولاتهم تنم عن عكس ذلك. ولعل التصريح الذي نشرته كل من: المصري اليوم ونهضة مصر في 22 لأغسطس الماضي هو دليل علي الهوية المتخيلة لأصحابنا في حركة كفاية من جانب، ولحالة (التهريج) السياسي من جانب آخر. لقد ذكر التصريح المذكور أن حركة كفاية قد تمكنت من جمع 100 ألف توقيع ضمن حملة المليون توقيع لإلغاء اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1979 بين مصر وإسرائيل. وتسليمها لمجلس الشعب ورئيس الجمهورية لمناقشة إلغائها. ويعود سبب إلغائها من وجهة نظرهم لكونها قد قيدت حركة مصر لنجدة الشعب اللبناني أثناء الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة للأراضي اللبنانية. وما حدث من قبل عندما لم تحرك مصر ساكناً إزاء قتل جنودها علي الحدود المصرية _ الإسرائيلية. والطريف في الأمر، ما جاء علي لسان منسق الحركة العام بأنه قد تم تشكيل لجنة قانونية، تضم عدداً من مختلف القوي الوطنية لدراسة النواحي القانونية والسياسية للاتفاقية بحيث يتم الإلغاء دون أن تتعرض مصر لمخاطر سياسية بسبب هذا الإجراء. كما ذكر التصريح أيضاً أن المكتب التنفيذي للجبهة الوطنية للتغيير قد اقترح تنظيم استفتاء أو استقصاء رأي عام حول إلغاء المعاهدة أو استمرار العمل بها. إنه نوع من خلط الأوراق والملفات السياسية. ولا أعرف كيف يمكن أن نعيد النظر الآن في قضية إلغاء التوقيع علي اتفاقية كامب ديفيد أم لا؟. ولا أستطيع أن أتفهم بأي منطق يمكن أن نوافق علي الدخول في نفق التأجيج السياسي المستفز للمنطقة كلها. وهل (ضاقت) بنا كل السبل السياسية والدبلوماسية للتعامل مع الكيان الإسرائيلي بكل سلبياته واستفزازاته.. لنعلن إلغاء معاهدة السلام وإعلان حالة الحرب؟!!. أنه منطق المستضعفين الذين لا يملكون سوي حل وحيد ولا سواه. إن السياسة هي (فن الممكن) والبدائل العديدة المطروحة. إنه منطق تجاهل الرأي العام الداخلي والعالمي. ولا يعني بالطبع توقيع البسطاء علي حملة المليون المزعومة.. اقتناعهم بما جاء فيها. لأن الأمر في هذا الصدد بشكل خاص يتبع نظام ثقافة التأثير.. مجرد التأثير العاطفي علي وجدان المجتمع المصري. وهو منطق بعيد كل البعد عن منطق الإقناع والاقتناع. وفي ظني أن وجهه النظر هذه تفرض علينا سؤال محدداً وهو: وماذا بعد يا أصدقاءنا في حركة كفاية؟. وبعد، نؤكد إننا ضد كل الأفعال والممارسات الإسرائيلية العنصرية ضد العرب.. لكي لا يعيد البعض تفسير ما كتبنا طبقاً لما يريد. ولكننا في الوقت نفسه، ضد استدراج مصر لمنطقة خطرة.. تصل بنا في نهاية المطاف كما وصل الحال بلبنان الآن. بقي، أن نذكر أن العمل السياسي هو في الأساس مشروع فردي يستقطب جماعة من الداعمين، أو فكرة جماعية يدعمها كل من ينضم إليها. غير أنه في أي حال من الأحوال لا يمكن أن يقوم علي شخصية محددة لا تهتم سوي بالظهور الإعلامي والفضائي. [email protected]