سيضطر الرئيس بوش عما قريب إلي إحاطة الشعب الأمريكي علماً بحقيقة حرب العراق، خصوصاً إذا ما فقد الحزب "الجمهوري" سيطرته سواء علي مجلس النواب أو مجلس "الشيوخ"، في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي تجري في نوفمبر القادم. وفي مثل هذه الظروف. سيكون الضغط علي بوش هائلاً بحيث يجد نفسه مضطراً للاعتراف بأن الأهداف الأصلية للغزو لم تعد قابلة للتحقيق، وأن العراق علي حافة حرب أهلية، وأن علي إدارته تقديم استراتيجية خروج موثوق بها من ذلك البلد. وإذا ما استمر معدل الخسائر الأمريكية الحالية في العراق في اتجاهه الحالي، فإن عدد القتلي الأمريكيين سيصل عما قريب إلي 3000 قتيل وأربعة أضعاف هذا العدد من المصابين بإصابات خطيرة. وقد أدت كل هذه العوامل إلي فقدان قادة القوات المسلحة الأمريكية في العراق وخصوصاً البرية إلي ثقتهم في القيادات المدنية لوزارة الدفاع، وعلي رأسهم دونالد رامسفيلد. في هذه الظروف يجد بوش أنه لم يعد أمامه سوي ثلاثة خيارات: الخيار الأول، والأقل استساغة من الناحية السياسية هو إحداث زيادة كبيرة في عدد القوات الأمريكية في العراق من خلال سحب قوات من أوروبا ومن شرق آسيا. وهذا الإجراء سيؤثر علي أعداد القوات التي قد تدعو إليها الحاجة في شبه الجزيرة الكورية أو اللازمة لمواجهة الوضع الآخذ في التدهور في أفغانستان، كما أنه سيستلزم الاستمرار في احتلال العراق لفترة طويلة، وسيتطلب زيادة ميزانية الدفاع، وهو ما لن يتمكن بوش من تحقيقه دون السيطرة علي الكونجرس. الخيار الثاني، ويتمثل في إعادة تعريف الأهداف الأمريكية في العراق، وأن يكون التركيز في المقام الأول علي تحقيق الاستقرار في هذا البلد لإتاحة الفرص لانسحاب أمريكي مرحلي، وأن يكون الهدف هو بقاء العراق كدولة واحدة حتي وإنْ لم يتحول إلي النموذج الديمقراطي العلماني، الذي كان بوش يأمله. هذا الخيار لا يتضمن تحديد موعد محدد للخروج، علاوة أن معظم القتال في المدن سيلقي علي عاتق العراقيين. غير أن منتقديه يقولون إنه غير واضح الملامح كما أنه غير محدد زمانياً. الخيار الثالث: إعلان واضح وصريح بأن القوات المسلحة الأمريكية ستقوم خلال 18 شهراً أو نحو ذلك بالانسحاب من المناطق الرئيسية في العراق، بصرف النظر عن الظروف السائدة، علي أن يتم إعادة نشر جزء من هذه القوات في بعض دول الخليج الصغيرة مع إمكانية إبقاء حامية صغيرة بصفة مؤقتة في إقليم كردستان. هذا السيناريو سيعني أن دور الولاياتالمتحدة السياسي والعسكري في العراق سينتهي إلي حد كبير، وهو ما قد ينظر إليه علي أنه علامة علي هزيمة أمريكية من قبل البعض وخاصة القوي الراديكالية في المنطقة. مع ذلك قد يوافق البعض علي أن هذا النهج سيشجع العراقيين علي الاضطلاع بمزيد من الأدوار لضمان أمن بلادهم، حتي إذا ما أدي ذلك إلي نشوب حرب أهلية، لأن تلك الحرب ستنتهي في النهاية بانتصار طرف علي آخر، مما يعني أن هناك نوعاً من الأمن سيتحقق في نقطة معينة في المستقبل. علاوة علي أن أي فلول من "القاعدة" متبقية في البلاد، سيتم طردها من قبل العراقيين أنفسهم الذين لا يرغب معظمهم في المشاركة في مشروع بن لادن المتعاظم ضد أمريكا والغرب. هل ستستفيد القوي الإقليمية من تحديد موعد نهائي للانسحاب الأمريكي في تعزيز وضعها في العراق؟ ربما، ولكن يتعين القول إن أياً من القوي الإقليمية في المنطقة لا ترغب في رؤية حالة من الفوضي في العراق، وهو ما يتيح الفرصة للولايات المتحدة لتوقيع اتفاقيات مع تلك القوي لتجنب حدوث ذلك النوع من الفوضي. ستكون تلك استراتيجية خطرة ولكنها من نوع الاستراتيجيات التي يبدو أن الأمريكيين مستعدون لتحملها. الخيارات الثلاثة صعبة، ولكن مع المشكلة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والمواجهات الأوسع نطاقاً مع الراديكاليين، فإن الخروج من العراق سيمنح فرصة للولايات المتحدة المرهقة لالتقاط أنفاسها، وتعديل أوضاعها، وحشد طاقتها مجدداً. وأمريكا دولة قوية وذات حيوية وهي قادرة علي استعادة عافيتها بسرعة أكثر مما يعتقد معظم المتشائمين.