نتفق جميعاً علي إن شاشة التليفزيون قد أصبحت واحدة من أبرز الوسائل تأثيراً في المجتمع المصري.. علي عدة مستويات بداية من السياسي، ومروراً بالثقافي والتربوي، وصولاً إلي الاجتماعي. وقد ضاعف من هذا التأثير الزخم الضخم من القنوات الفضائية بكافة أنواعها وتخصصاتها.. لما تقوم به من تشكيل وعي المشاهدين ووجدانهم سواء بطريقة إيجابية أو سلبية تجاه المجتمع وتجاه أصحاب الدين "الثاني" وهو ما نلحظه من خلال تقديم البرامج الدينية في القنوات الفضائية للدرجة التي أفرزت ظاهرة ما يمكن أن نطلق عليه دعاة الستالايت وكهنته، ومثال ذلك: عمرو خالد وزكريا بطرس. وقد حفزني علي كتابة هذا المقال التحقيق الذي نشر علي موقع "إخوان اون لاين" منذ أسبوعين تقريباً بعنوان: الفضائيات المسيحية.. بذور الفتنة ومخططات التنصير. وقد بدأ بمقدمة يؤكد فيها (أن "عشتار" و"النور" و"الحياة" و"معجزة" و"سات سفن" هي قنوات فضائية مسيحية. وتعتبر قناة "الحياة" من أشدها طائفية، رغم أنها تعلن أنها قناة دينية بالأساس وهي تقدم بثها علي القمر الأوروبي وتهاجم الإسلام، وتسعي بوضوح لتنصير المسلمين، ونجحت في تشكيك بعض الفتيات المسلمات في دينهن وتنصير البعض. وإزاء ذلك ليست هناك قناة فضائية إسلامية متخصصة ترد علي هذا الغزو التبشيري الذي يكرس العداء ويفضح مخططات التنصير في بلاد العرب والمسلمين. والسبب (أن القنوات الإسلامية ليس من بين برامجها التعرض لمهاجمة أهل الأديان الأخري). ومن الواضح أن كاتب التحقيق قد أصابه قدر لا بأس به من الخلط بين القنوات الفضائية لأنه أراد بشكل أو بآخر أن يضع كافة القنوات الفضائية المسيحية في سلة واحدة، وهو أمر لا يجوز شكلاً ومضموناً. وأود أن أؤكد منذ البداية، رفضي الشديد لقناة الحياة وبطلها المغوار المدعو القس زكريا بطرس لما يقوم به من تجاوزات بعيدة كل البعد عن تعاليم الدين المسيحي من جانب، ولأنه واحد من عدة عوامل تعمل علي تأجيج المناخ الطائفي في مصر من جانب آخر. غير أنني أؤكد في الوقت نفسه إن النظر لهذه القضية بوجه خاص من خلال التحليل الاجتماعي والمعرفي.. يصل بنا إلي نتيجة مفادها أن زكريا بطرس هو نتاج طبيعي ونوع من رد الفعل لحقبة من الزمن تم فيها ترك الساحة الإعلامية للعديد من رجال الدين الإسلامي من أصحاب الشعبية لبث أفكارهم المسمومة التي تزدري الديانة المسيحية. ومثال ذلك د.محمد عمارة ود. زغلول النجار. ولم يذكر لنا الموقع المذكور مدي استغلال بعض البرامج والقنوات الفضائية الفرص للهجوم علي الديانة المسيحية والتشكيك في عقيدتها.. مما كان له أثر مباشر في أن تخرج علينا بعض القنوات المسيحية غير المعلومة الهوية أو التمويل- علي سبيل رد الفعل- لتقوم بالمهمة نفسها تجاه الدين الإسلامي. ولعل ما تقوم به قناة "الحياة" وبطلها الكاهن زكريا بطرس هي خير دليل علي ذلك. وفي ظني أن رد الفعل هذا جاء نتيجة لتجاهل القائمين علي تلك القنوات بخطورة ما سمحوا بتقديمه وعرضه علي شاشاتهم من قبل. علي هذا النحو، تعامل الموقع المذكور مع قضية القنوات الفضائية المسيحية بنوع من التحيز وعدم المصداقية في عرض المشكلة.. حيث شهدت السنوات الأخيرة تجاوزات عديدة سواء من بعض البرامج بشكل مباشر أو من ضيوف البرامج بشكل غير مباشر في عشوائية تستهدف آمن المجتمع وأمانه. ونؤكد هنا، إننا لسنا ضد قناة أو أخري. ولكننا بشكل مباشر ضد بيزنيس الدين وضد الطائفية وضد التعصب. وأعتقد في أهمية أن نؤكد أن جميع القنوات التي تحدث عنها الموقع المذكور غير مصرية.. ما عدا قناة قناة سات 7 (SAT 7 ) تحديداً. وذلك لما تتسم به هذه القناة من كونها قناة تنتهج سياسة محددة منذ إنشائها منذ 10 سنوات تقريباً. وهي تتلخص في كونها لا تتناول في برامجها القضايا العقائدية (بين الأرثوذكس والكاثوليك) أو الطائفية (بين المسيحيين والمسلمين) أو السياسية.. لكونها قناة مسكونية تهدف لمخاطبة كافة المسيحيين العرب من خلال برامج تؤكد علي مبادئ الدين المسيحي من خلال مراعاة الأبعاد التعليمية والتربوية والتثقيفية والاجتماعية، والترفيهية للأطفال. كما أن هناك تمثيلا مصريا في إدارة القناة من خلال الأنبا مرقس (مطران شبرا الخيمة) والأنبا موسي (أسقف عام الشباب). وهي بهذا الشكل قناة تحافظ علي التواجد المصري المسيحي في القناة من جانب، وعلي عدم الاقتراب من كل ما من شأنه أن يحدث أي خلل في العلاقات بين الطوائف المسيحية، أو بين المسيحيين والمسلمين من جانب آخر.وفي ظني، أن كاتب التحقيق في الموقع المذكور لم يشاهد تلك القنوات من الأصل. بل كتب تحقيقه طبقاً لثقافة (العنعنة) التي تعتمد مبدأ السمع في الكتابة عن قضية محددة، أو في التعليق علي تلك القضية علي غرار تعليقات البعض ممن استعان بهم في الإدلاء برأيهم في التحقيق المذكور مثل: أن هذه الحملة هي نتاج تعاون صهيوني مع اليمين المسيحي المتشدد. وعلي الرغم من تحذيرات البعض بأن القنوات الدينية قد تزيد من نزعات التعصب وترسخ روح الطائفية مهما ادعت السماحة، فإن الفيصل القاسم هو ما تقدمه هذه القنوات وأهدافها التي تتحدد في خريطة القناة وسياستها التي تترجم لبرامج متعددة. ولكي لا تنزلق في متاهة تصفية الحسابات الطائفية. إنها مخاطر مشروعة ووارد حدوثها.. خاصة في ظل تكرار التوترات الطائفية بين الحين والآخر. إن تعرض وسائل الإعلام للتشهير بالدين (الثاني) والتشكيك في معتقداته الإيمانية أو ازدرائه هو أمر جلل يشيع التوتر الديني وله خطورة شديدة علي التماسك الوطني. نحن نحتاج لرؤية واضحة فيما نفعل. لكي لا يحسب ما نفعله _ بحسن أو بسوء نية _ علي أنه رد فعل مبني علي سوء الفهم أو ربما سوء التقدير.