يستمد الإسلام مبادئه من كتاب الله الكريم الذي ضمن لهذا الدين التجدد والخلود، وحقق للمسلمين العزة والقوة، عندما تمسكوا بالمبادئ والتشريعات، وتحلوا بالآداب والأخلاقيات التي نزل بها كتاب الله لتكون منهج سلوك ودستور حياة ومبعث نهضة والتي دعا إليها خاتم الأنبياء الذي جعل أمته خير الأمم فقال: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" وجعل معجزاته أبقي المعجزات فقال "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". وجعل أخلاقياته أفضل الأخلاقيات فقال: "وإنك لعلي خلق عظيم". ورسول الله قام برسالة تدعو إلي الحب والتسامح والرحمة والسلام فنادي بتحقيق كل ما من شأنه دوام الحب وتقوية الروابط وتحقيق السلام، لأن الإسلام مشتق من السلام وملتق معه في أهدافه ومراميه قال تعالي: "إنما المؤمنون إخوة" وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي وحقت محبتي للذين يتحابون من أجلي". ولأن السلام صفة عباد الرحمن الذين يظفرون برضوان الله قال تعالي: "وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" ولأن السلام شعار المسلمين فيما بينهم سأل رجل رسول الله صلي الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ فقال: "تطعم الطعام وتقرأ السلام علي من عرفت ومن لم تعرف". ولأن السلام هو طابع الليلة التي نزل فيها القرآن قال تعالي : "سلام هي حتي مطلع الفجر". ولأن السلام هو تحية عباد الله الفائزين يوم القيامة (تحيتهم يوم يلقونه سلام). ولأن العبادات التي أمر بها الإسلام إنما هي تدريب عملي يهدف إلي تحقيق السلام بين الأنام ... فنحن نردد كلمة السلام في التشهد ونختم الصلاة بالسلام مما يؤدي إلي التمسك بالسلام، ونحن بالصيام إنما يشعر الغني بألم الفقير فيتبرع له عن طيب خاطر مما يؤدي إلي تحقيق السلام. ونحن بالزكاة إنما نشيع الحب في مجتمعنا والإخاء مما يقضي علي الحقد والبغضاء ويؤدي إلي تحقيق السلام. ونحن في الحج إنما ندخل من باب السلام رافعين شعار السلام مرددين "اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام فحيينا يا ربنا بالسلام". والله سبحانه وتعالي يدعو الي العفو والتسامح وكبح جماح الغضب لأن التسامح كثيراً ما يؤدي إلي المحبة بعد العداء .. قال تعالي: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". ويقول رسول الله: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".. والمؤمن المرتبط القلب بالله المتمسك بمبادئ الله يقابل الإساءة لشخصه فيما لا يمس شرفه وعرضه بالاحسان وبالصفح والغفران متمسكا بقول الله: "فمن عفا وأصلح فأجره علي الله" ويقول رسول الله: "إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك" ويقول لقمان الحكيم تلميذ داود عليه السلام: "خلاصة الحكمة اربع كلمات اثنتان منها يذكران ولا ينسيان وهما الله تعالي والموت، واثنتان منها ينسيان ولا يذكران وهما إحسانك إلي الناس وإساءة الناس إليك". والمسلمون الأوائل كانوا يقابلون الاساءة بالإحسان راجين من الله التوبة والغفران: وذاك عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه سرق اللصوص نقوده فجعل الناس يلعنون السارق فنهاهم عن ذلك ورفع يديه إلي السماء وقال: اللهم إن كنت تعلم أنه في غير حاجة إليها فاجعلها آخر معصية له في حياته يارب العالمين. وذاك محمد بن حميد الطوسي ظفر الجنود بأعدي أعدائه فاستشار جلساءه.. فأشاروا جميعا بقتله، فإذا به يفك اسره بنفسه، ويلاطفه الحديث، ويشاركه الطعام، ويلتفت إلي جلساء السوء قائلا إن خير الأصحاب من حسن لصاحبه مقابلة الإساءة بالإحسان وإنا إذا عاقبنا من أساء إلينا بمصثل ما أساء فأين موضع الشكر لله علي أن نصرنا عليه ومكن لنا منه. غير أن التسامح في حق الإنسان مشروط بألا يؤدي إلي تمادي المعتدي حتي لا يؤدي إلي عكس المقصود كما أن التسامح هو ما كان في حق من حقوق العباد، أما ما كان في حق من حقوق الله فلا يملك التسامح فيه إلا الله.