بينما تستمر إسرائيل و"حزب الله" في تبادل الضربات القاسية، من غير المستبعد أن تجد إدارة الرئيس بوش نفسها مجبرة علي مواجهة ارتدادات الحرب في لبنان واحتمال انتهائها إلي تقويض العلاقة الأمريكية مع شيعة العراق وتسريع الخطوات نحو تشظي البلد وانفلاته من العقال. فقد وصل الغضب من القصف الإسرائيلي للبنان إلي تخوم العراق الذي يعتبر ثلثا سكانه من الشيعة. ولم يتأخر طويلاً رجل الدين الشيعي ذو الخطاب الناري وزعيم "ميليشيا المهدي" في التنديد بالقصف الإسرائيلي واستنكاره لتأييد الولاياتالمتحدة للدولة اليهودية. وطيلة الفترة السابقة لم يتوقف مقتدي الصدر عن كيل التهم للولايات المتحدة دافعاً يوم الجمعة الماضي الآلاف من العراقيين الذين تراوح عددهم حسب التقديرات ما بين 14 ألفا و100 ألف من أنصار ميليشيا المهدي خرجوا إلي شوارع بغداد رافعين شعارات التضامن مع "حزب الله" ومنددين بإسرائيل والولاياتالمتحدة. ولا يتحرك "الصدر" فقط من وحي الشعور بالتضامن الديني مع "حزب الله"، بل يسعي أيضاً إلي المزايدة علي قادة الشيعة المعتدلين، لا سيما رئيس الوزراء نوري المالكي، بل وحتي المرشد الأعلي المعتدل آية الله علي السيستاني. وهو يعرف جيداً أن القصف الإسرائيلي للبنان يساعده في تعزيز رصيده السياسي في العراق والتغلب علي خصومه. ومن جانبهما يعي المالكي والسيستاني مساعي مقتدي الصدر وهما ليسا علي استعداد لتركه يتفوق عليهما في الساحة العراقية وطغيان خطابه الديماجوجي. فبينما يؤمن المالكي ومعه السيستاني بضرورة استمرار التواجد الأمريكي في العراق، يرفع مقتدي الصدر شعارات معادية للتواجد العسكري الأمريكي. وإزاء خطابه الشعبوي لم يبقَ من خيار أمام باقي القادة المعتدلين سوي ركوب الموجة وانتقاد الولاياتالمتحدة. وليس غريباً في ظل هذا الوضع أن يبادر نوري المالكي إلي استنكار الهجمات الإسرائيلية مباشرة بعد تصريحات مقتدي الصدر المناوئة للولايات المتحدة. ولم يقتصر الأمر علي رئيس الوزراء العراقي، بل انضمت شخصيات شيعية بارزة في البلاد إلي جوقة المنددين بالهجمة الإسرائيلية علي لبنان، فضلاً عن الأحزاب الشيعية الرئيسية في العراق مثل حزب "الدعوة" و"المجلس الأعلي للثورة الإسلامية في العراق"، ليكيلوا التهم للولايات المتحدة ويعبروا علي تعاطفهم مع "حزب الله". وبعد أيام قليلة تدخل السيستاني وقرع إسرائيل بسبب "اعتدائها الصارخ" و"قمعها الفاضح" للشعب اللبناني. وبينما سكت عن تسمية الولاياتالمتحدة، إلا أنه ندد بالعالم الذي "غض الطرف" عن المحنة اللبنانية. لكن بعد الهجوم علي قانا وسقوط 28 قتيلاً نصفهم من المدنيين أصدر السيستاني فتوي تندد "بالجريمة الجبانة" التي ارتكبها "العدو الإسرائيلي". ودعا في فتواه أيضاً إلي وقف فوري لإطلاق النار وحذر بأن "المسلمين لن يسامحوا الأطراف التي تعرقل" وقف إطلاق النار في إشارة واضحة إلي معارضة الولاياتالمتحدة الضغط في هذا الاتجاه. وإذا ما استمرت الحرب في لبنان لا شك أن التنافس بين القادة الشيعة سيشتد لجهة انتقاد الولاياتالمتحدة والاصطفاف مع "حزب الله" لينعكس سلبا علي العلاقة بين شيعة العراق وواشنطن، خصوصا وأن الصلة وثيقة في أعين العرب بين القصف الإسرائيلي والمساندة الأمريكية الواضحة لإسرائيل. ومع أن الوقت مازال مبكرا للحديث عن قطيعة بين شيعة العراق والولاياتالمتحدة، إلا أنها ليست مستحيلة في حال استمرار الحرب وسقوط المدنيين في لبنان، وخصوصاً إذا ما قامت إيران بخلخلة الأمور وتوظيف نفوذها لتحريك الشيعة. ومع التحذيرات التي أطلقها الجنرال "جون أبي زيد" خلال شهادته أمام مجلس الشيوخ في الأسبوع الماضي حول احتمال انزلاق العراق إلي حرب أهلية، فإن الولاياتالمتحدة بالكاد تتحمل في هذه المرحلة فقدان الدعم الشيعي لجهودها في العراق. والأسوأ من ذلك أن أي تدهور في العلاقات بين الولاياتالمتحدة وشيعة العراق سوف يغير من حسابات الأكراد ما قد يدفعهم إلي التفكير في الانفصال. وهي الخطوة التي لن تسمح بها تركيا وقد تؤدي إلي اندلاع حرب إقليمية تفاقم الصعوبات الأمريكية في المنطقة. لكن السيناريوهات القاتمة التي تخيم علي العلاقات بين شيعة العراق والولاياتالمتحدة يمكن تفاديها إذا عجل بالتوصل إلي اتفاق لوقف فوري لإطلاق النار في لبنان ينهي المجازر ويقطع الطريق علي بطولة "حزب الله".