عندما سيحللون في المستقبل موعد تعقد الحرب اللبنانية الثانية من الناحيتين الاخلاقية والسياسية، سيكون الرد علي ما يبدو: عندما تقررت رسميا أو فعليا تصفية حزب الله. هذه كانت زئيرا منطلقا من حناجر المتحمسين لتتحول فيما بعد الي سياسة وطنية عامة. حزب الله كقوة عسكرية هو تنظيم عدواني وارهابي. هو فقد مبرر وجوده عندما انسحبت اسرائيل من لبنان. السلاح الذي راكمه من آلاف الصواريخ غير الدقيقة مُكرس لاصابة المدنيين الأبرياء عن قصد مُبيت، وكهدف أساسي، حزب الله يعمل في خدمة الثورة الشيعية - الاسلامية بقيادة ايران التي تدعو بجدية الي إزالة دولة اسرائيل، ويتمتع بحرية حركة من جانب الحكومة اللبنانية التي تتنصل من مسؤوليتها عن اراضيها السيادية وتتحمل المسؤولية عن أعماله بناء علي ذلك. كل هذا بعد الهجمة التي اختطف فيها الجنود، كان يستوجب شن عملية عسكرية محدودة موجهة بالأساس للحكومة اللبنانية والغرب من اجل إدخال قوة دولية الي الجنوب مع صلاحيات وقدرات قتالية كمقدمة لنشر الجيش اللبناني في المنطقة. هذا الهدف وحده وليس تصفية حزب الله جسديا، هو الذي كان من المفترض أن يتحدد كعنوان للعملية. العملية كانت ستشمل ضرب منشآت حكومية لبنانية مترافقة مع هجمة سياسية في أرجاء العالم. اسرائيل كانت تملك أفضل الأوراق لادارة هذه المعركة: قرارات الاممالمتحدة، الشرعية الدولية، التفهم والرغبة في نزع سلاح حزب الله وشل قدراته (حتي في فرنسا وفي اغلبية الدول العربية). هذه الأوراق الثمينة كانت قابلة للترجمة الحقيقية وهي التي كان من الأجدر تركيز الجهود الأساسية عليها. وفي هذا السياق جرّت محاولة تصفية حزب الله، التي تمت حتي هذا الاسبوع، اسرائيل الي حرب يشك في شرعيتها، حرب غير اخلاقية وغير ذكية وحافلة بالمخاطر. لأنه ليس من المعقول تصفية تنظيم عنيف يعمل في صفوف السكان المدنيين. صحيح أن استراتيجيته تثير المقت، إلا أنها - من الصعب والمغيظ الاعتراف بذلك ناجعة ومجدية ايضا. من المحظور مكافحة الارهاب أو العصابات الفدائية من خلال قتل المدنيين في ظل معاييرنا الاخلاقية والقوانين الدولية القائمة. محاولة تصفية حزب الله أدت الي قتل المدنيين لأنه لا توجد طريقة اخري لتحقيق هذا الهدف. أما القول عنها بأنها حرب غير ذكية، فهو نابع من أن كل ذلك تم من اجل هدف لا يمكن تحقيقه. الجيش الاسرائيلي لا يستطيع أن يعود الي لبنان، وهذه مسألة مُجربة وأكيدة. وليس من الممكن القضاء علي حزب الله من خلال التطهير العِرقي الذي يعتبر جريمة حرب، وعليه، فان هذا الهدف لن يتحقق بالضرورة، وحزب الله سيظهر كطرف منتصر. كما أن تقليص الهدف كما حدث في الايام الأخيرة الدعوة الي إضعافه بدرجة كبيرة ليس مجديا، لا بل إن الطريق الذي سارت عليه اسرائيل حتي الآن أدي الي زيادة شرعيته في لبنان وشعبيته في الدول العربية.