لقد أكد الدستور علي سلطة الصحافة فنص في المادة 206 علي أن (الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها علي الوجه المبين في الدستور والقانون) وقد كان موفقا حينما وصفها بانها سلطة شعبية مستقلة، ولم يصفها بانها سلطة رابعة علي غرار السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وان كان الشائع إضفاء هذا الوصف عليها باعتبارها سلطة دستورية، ولكن الواقع والصواب انها سلطة فعلية وشعبية وليست دستورية حيث انها لا تمارس علي غرار السلطات الثلاث جزءا من سلطة الدولة والتي تملك شيئا من هذا القبيل، فلا تملك حتي مجرد إصدار لائحة أو قرار فردي ملزم علي غرار ما يصدر من السلطات الثلاث. ولكنها تملك سلطة فعلية في نظري تفوق حالياً ما للسلطات الثلاث باعتبارها توثر في الشعب عن طريق إقناع الشعب نفسه بما تنشره. لا سيما تأثيرها الفعلي في الحياة السياسية وشتي نواحي الحياة القومية في البلاد. فإن اقتنع الشعب والرأي العام بما تنشره الصحف أثر في السلطات الثلاث باعتباره مصدر السلطات. فهي إذن سلطة مؤثرة فعلاً، وان لم تكن مؤثرة قانوناً. وإذا كانت هذه السلطة كما سبق مؤثرة إلا أنها في جانب من حياتها قد تتأثر بما حولها، وأهم ما تتأثر به هذه السلطة هو مثلث يتكون أضلاعه من رأس المال والدولة والقارئ. فلا يخفي علي قارئ ما تستلزمه نفقات انشاء صحيفة من الصحف وما يستتبع ذلك من نفقات إدارة هذه الصحيفة وهيكلها وليس هناك أدل علي ذلك من مقولة الكاتب والفيلسوف الفرنسي (لامينيه) في آخر عدد من أعداد صحيفة الشعب المؤسس وهي تحتجب عن الظهور (نريد اليوم ذهباً، كثيراً من الذهب لنتمتع بالحق في الكلام. ولكننا لسنا أغنياء إلي هذا الحد. إذن فليصمت الفقراء). ولا يقتصر تأثير رأس المال علي هذه السلطة عند هذا الحد فقد تستخدم في الدعاية والاعلان يهدف اصحابها من ذلك تحقيق مآربهم الخاصة واولها الربح بطبيعة الحال، فبعض الصحف نجد انها لا تستطيع ان توازن ميزانيتها أو تحقق ربحاً إلا اذا استعانت بما تدره تلك الاعلانات من دخل كبير فقد وجد مثلاً ان شركة (جنرال موتورز) تدفع كأجور للاعلانات ما يزيد علي 35 مليون دولار للصحف الأمريكية. كما تتأثر الصحافة كسلطة بالدولة. ان هذه السلطة تستخدم للتأثير في سياسة الدولة وتكوين اتجاه في الرأي العام علي نحو معين ولو كان هذا يخالف الحق والعدل، وهي بهذا تعد من أقوي الوسائل لتحقيق هذا الغرض. اما تأثر الصحافة بالقارئ فهي تؤثر في قرائها وترقي بمستواهم الثقافي والسياسي وتؤثر في الرأي العام وهي في سبيلها لذلك يجب عليها ان تصل إلي أكبر عدد من القراء وهم ليسوا علي درجة واحدة من الاستعداد لتلقي ذلك فمنهم الباحث عن امور أخري عدا الثقافة والسياسة، وهنا تجد الصحيفة نفسها تتنازعها الاتجاهات إما أن تلبي رغبة وحاجة القارئ وتنحدر إلي مستوي متطلبات ورغبات هذه الفئة من القراء فتقدم لهم ما يرضيهم ولا ينفعهم، وإما أن تثبت علي هدفها في نشر كل ما هو جديد في الثقافة والسياسة والعلم فتقدم لهم ما ينفعهم ولا يرضونه، وهناك من يجمع بين هذا وذاك بهدف الوصول إلي أكبر عدد من القراء. ولا يخفي دور القراء في هذه السلطة حيث انهم هم الذين يملكون ان يقبلوا علي الصحيفة بالملايين فيكتبون لها الحياة والاستمرار، أو يعرضون عنها فيتحتم عليها ان تذوي وتحتجب. هذه هي المؤثرات التي يمكن ان تتأثر بها سلطة الصحافة، وهي لا تستطيع ان تتحرر تحرراً كاملاً عن هذه المؤثرات الثلاثة مجتمعة، فهي ان تحررت من أحدها ظلت رهينة بالبعض الآخر منها. لكن من المتفق عليه انه وحتي تحقق لها مزيداً من الحرية والاستقلال في اداء رسالتها وحتي يكون مجال وحدود تأثرها بالمؤثرات السابقة محدوداً وفي أضيق نطاق يجب ان تتضافر الجهود حكاماً ومحكومين أفراداً ومؤسسات في تدعيم هذه السلطة باعتبارها سلطة شعبية مستقلة حتي تمارس رسالتها بحرية وفي استقلال في خدمة المجتمع بمختلف وسائل التعبير، تعبيراً عن اتجاهات الري العام واسهاماً في تكوينه وتوجيهه في إطار المقومات الاساسية للمجتمع، والحفاظ علي الحريات والحقوق والواجبات العامة. واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، علي ان تخضع هذه السلطة كغيرها من السلطات لرقابة الشعب باعتباره مصدر السلطات. وقد أكد الدستور علي الأهمية الاجتماعية للصحافة فنص في المادة 47 علي أن حرية الرأي مكفولة ولكل انسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون والنقد الذاتي البناء ضمانا لسلامة البناء الوطني وفي المادة 48 علي أن حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة والرقابة علي الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو الغاؤها بالطريق الإداري محظور وفي المادة 49 علي أن تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والابداع الفني والثقافة وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق