لم يترك "حزب الله" مناسبة، إلا وأعلن فيها العزم علي تحرير الاسري، ولم يخف علي احد انه يحضر لأسر جنود العدو.. والسيد حسن نصر الله اكد ذلك، بعد "عملية الغجر" بقوله: "وهل هي تهمة أننا سنأسر جنودا اسرائيليين". وفي تكريم عميد الاسري.. وعد السيد حسن، سمير القنطار، بأن اللقاء قريب جدا جدا.. وفي النهاية، جاء "الوعد الصادق" بجنديين اسرائيليين يحملان طبعا مفتاح الزنازين. لم يكن السيد يمزح، المسألة بهذه البساطة. فالعملية النوعية، دفعت خلفها كل التفاصيل المحلية، وأصابت الوسط السياسي الداخلي علي اختلاف مستوياته بما يمكن وصفه بحال ارتجاج، صعّبت القدرة علي استيعاب ما يجري. فالجانب الأقل اصيب بالابتهاج، وتاريخ 12 يوليو صار بالنسبة اليه، حدا فاصلا بين زمنين... في حين كان ارتياح رئيس الجمهورية مسموعا، وأما الحال في جانب الجنرال ميشال عون، فلم يكن متفاجئا، كونه في الاصل يعتبر ان المقاومة كانت واضحة وصريحة وعبرت عن عزمها بالاعلام، بأن هذه المسألة انسانية.. اما في الجانب الاكثري فساد ارباك واضح، واحتقان اكثر، لكنه غاب عن الشاشات، ربما استجابة ل "نصائح" اسديت من قبل بعض المراجع السياسية، بتجنب الاثارة الاعلامية، والتي حذرت من اخذ الامور الي انقسام داخلي. فضلا عما يعانيه الاركان الاساسيون في هذا الفريق من ضغوط، وحشرة فرضتها المستجدات الاخيرة في المنطقة وخصوصا الوقائع الفلسطينية والعدوان علي غزة. واللافت ان البعض في هذا الفريق حرص علي اخفاء غيظه، وإظهار الرغبة في عدم الذهاب الي موقع الطعن بجهد للمقاومة، لكنه لم يستطع اخفاء اسئلة اكثرية حول التوقيت، ولماذا الآن، والانعكاسات والاضرار علي البلد، وعلي السياحة، اين يقف الايراني، اين يقف السوري، هل التوقيت لبناني محلي، او هو توقيت خارجي.. ما هو الثمن المطلوب، وكيف ستوظف العملية في الداخل؟ الخ. والعملية، كما يقرأها مطلعون، لم تخرج عن سياق ما رسمه او اعلنه "حزب الله"، فهي من جهة مرتبطة بعهد مقطوع، والتزام له بعد انساني يتعلق بتحرير الاسري.. وهي أكدت ان اجندة المقاومة وبرنامج عملها لم، ولا تتأثر بكل الجدل الداخلي، كما اكدت ان لا مزاح في موضوع المقاومة. والهدف، او الوظيفة الاساسية والوحيدة للعملية، كما يقول هؤلاء المطلعون، واضحة ومحددة تختصره مسألة انسانية، متصلة بحرية الاسري والمعتقلين في سجون الاحتلال الاسرائيلي. بلا زيادة او نقصان. وبالتالي، من الخطأ ادراجها في اطار التوظيف السياسي الداخلي. ولكن، وبحسب المطلعين، لا بد انها ستفتح الباب واسعا، ولمرة اخيرة، لحسم المواقف الداخلية، وخصوصا حيال المقاومة، بعيدا عن المجاملات (التي لا تطلبها المقاومة اصلا) او التورية السياسية. وبالتالي ستجعل مواقف الاطراف اكثر وضوحا، وبلا التباسات. ويسلط هؤلاء الي جملة اشارات او اضاءات طرحتها العملية: ان "حزب الله" قد اختار التوقيت الصح، ووجه ضربته في الحين الذي كان فيه كل العقل العسكري والسياسي الاسرائيلي منشغلا بغزة... والاهم ان من شأن هذه العملية ان تعيد تحديد اتجاه البوصلة لتأخذ انتباه البلد في اتجاه اسرائيل، بدل ان يبقي نحو الجبهة الداخلية، وتسحب تفاصيل النقاش اللبناني من جبهة السجالات. وقد تكون عملية حزب الله، قد وجهت اقوي صدمة ايجابية يتعرض لبنان بعد التحرير في العام ,2000 وخصوصا لجهة المساهمة الكبري في تنفيس الاحتقان الطائفي والمذهبي. تذكّر العملية ان لبنان لم يخرج من دائرة الاستهداف الصهيوني، التي تبقي لديه اسري لبنانيين في سجونه، وتبقي جزءا من ارضه محتلا من قبل جيش العدو. ان نجاح المقاومة في تحقيق الهدف في هذه اللحظة السياسية، هو استنهاض للهم الوطني اللبناني، الذي يمثل التهديد الاسرائيلي الدائم والمتواصل تحديا مستمرا له. ونجاح العملية في مواجهة هذا التحدي. من المفترض ان يحفَز كل من له عناية بالهم الوطني، من القوي السياسية الي السلطة، الي الموالاة الي المعارضة، ليكون شريكا فعليا في تحقيق انجاز وطني كبير لهم جميعا. ثم إن ما قامت به المقاومة الاسلامية ليس خارجا ابدا عن اطار ما منحه مؤتمر الحوار الوطني من غطاء لاستعادة الاسري بكافة الوسائل المتاحة. مع الاشارة الي ان عمليات تبادل تمت في السابق، وآخرها في يناير من العام ,2004 وهذه العمليات علامة علي أن اسرائيل لا تعيد اسري الا بمثل هذه العمليات والتبادل.. لا شك ان نجاح عملية الاسر قد وجه لكمة قاسية الي العدو الاسرائيلي، الذي عمل خلال الفترة الماضية مناورات عسكرية وامنية شاملة من الجنوب الي الجولان، وخصوصا في منطقة العملية، ولم تخف المقاومة طوال الاشهر الستة الماضية نيتها في اسر جنود اسرائيليين، ومع ذلك انجزت المقاومة عملها بنجاح. وهذا الامر، يكشف هشاشة الوضع الامني والعسكري للعدو الاسرائيلي، ومدي اختراق المقاومة، وامتلاكها الخبرة اللازمة، لمواجهة العدو والضرب علي نقاط ضعفه. ان للعملية انعكاسا ايجابيا علي ساحة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لاستباحة الاسرائيليين لأنه اسر جنديا اسرائيليا لمبادلته بأسري ومعتقلين فلسطينيين، رغم عدم امتلاك قوي المقاومة السلاح الرادع لمواجهة الاستباحة. فالأسيران الاسرائيليان، لدي المقاومة الاسلامية مع ما تمتلكه من سلاح رادع يمنح رصيدا اضافيا للشعب الفلسطيني قد يسهم في توسيع دائرة الامل، من اجل الافراج عن معتقلين فلسطينيين، ويخفف من غلواء الاستباحة الاسرائيلية واستضعاف الفلسطينيين في غزة. ان المقاومة الاسلامية ما كانت لتلجأ الي خيار الاسر، لو كان المجتمع الدولي ومؤسساته يقومان بواجبهما حيال الاسري والمعتقلين اللبنانيين والعرب في السجون الاسرائيلية، ولذلك تضعف اهمية المطالبة بإطلاق سراح الجنديين الاسرائيليين من قبل جهات قصَرت تاريخيا في واجبها القانوني والانساني، في الضغط علي العدو الاسرائيلي في اطلاق المعتقلين لديه. ان المستفاد من مؤتمر السيد حسن نصر الله، ان اطلاق الاسيرين له سبيل وحيد هو التفاوض غير المباشر، عبر التبادل. وان المقاومة لا تجنح الي التصعيد، لكنها جاهزة لمواجهة التصعيد الاسرائيلي. فمُرجِّح التهدئة أو التصعيد عائد لقرار وأداء الاسرائيليين، إن نحو التهدئة، مع الاشارة الي أن المقاومة لا تطلب تهدئة، لكنها تستجيب للتهدئة.. او نحو التصعيد، وهي جاهزة لذلك. لا شك أن العملية سترسم مشهدا جديدا في لبنان، وبعد ما صدر عن حكومة فؤاد السنيورة، صار الباب مفتوحا علي ازمة، يقال "إنها ستكون مستعصية"..