لا تخلو الحياة السياسية المصرية من بعض الأشخاص محترفي (الدعاية) و(البروبجندا) و(الإعلام).. غير أن أخطرهم هو من يصول ويجول في المساحة الحرجة المتعلقة بالدين.. دون أدني شعور بمسؤولية تجاه ما يقوم به؛ ليس فقط نحو القضية محل الاهتمام، بل أيضاً في المسؤولية نحو وطنه ومجتمعه. بالإضافة لما يحمله هذا الخطاب من دلالات لها آثار سلبية علي المناخ الفكري والسياسي المنضبط الذي نطمح أن نصل إليه. ولقد رصدنا نموذجا دالاً لمثل تلك المهاترات المزعومة. وهي المهاترة الساذجة والمهتزة التي خرج علينا بها أحد المحامين.. المعروف عنه بأنه التلميذ النجيب لموريس صادق ووارثه الشرعي في التوجهات والأنشطة والتصرفات. وقد كان موريس صادق أكثر حنكة وذكاء، وصاحب خبرة في التوجهات ومكر ودهاء في الاختيارات. أنه ممدوح نخلة صاحب المواقف الملتبسة والمتباينة. لقد قام صاحبنا المذكور _ لا فض فوه أو أنكسر قلمه اللوذعي _ بتقديم طلب لوزارة الداخلية مؤخراً.. يطالب فيه بإنشاء شرطة كنسية خاصة لحماية الكنائس. وبالطبع، فالمقصود هنا بالشرطة الخاصة هم نوع من (البودي جارد) باللغة الإنجليزية أي (الفتوات) باللغة العربية. الطريف في طلب المحامي المذكور أنه يرسخ الطائفية ويكرس التعصب، بدلاً من أن يواجههم ويحاربهم بحكم كونه دارساً للقانون ومبادئه. فقد كنت أتصور أن يقوم صاحبنا بالدعوة للتأكيد علي قدسية دور العبادة المسيحية والإسلامية، وعدم المساس بهما تقديراً واحتراماً. وأتساءل: هل الأفضل هو الطرح السابق في احترام دور العبادة أم في وجود حراسة عليها؟. وهل يستسيغ صاحبنا الآن وجود (حراسة) علي الكنائس؟. وهل الصلاة تحت الحراسة هي أمر طبيعي بالنسبة له؟. وما رأيك لو طالب البعض من الجماعات أو المؤسسات بهذا الطلب.. بحيث تتحول الدولة إلي دولة (فتوات) قطاع خاص؟!!. تذكروا معي - وبدون أي وجه للمقارنة بل للدلالة فقط _ اللقطات التي تنقل لنا عبر القنوات الفضائية عن الصلاة في مساجد العراق، وفوق رؤوس المصلين الرشاشات الآلية. إن ما يجب أن نطالب به جميعاً هو ترسيخ الدولة المدنية وليست الدولة الدينية. كما إن الدولة بمؤسساتها الأمنية وغير الأمنية هي المنوط بها حماية كافة المواطنين المصريين وحماية كافة مؤسسات هذا الوطن. إنها فكرة من بنات أفكار ممدوح نخلة التي يخرج علينا بها كل فترة من الزمن، ومن قبلها خرج علينا بدعوة لإنشاء حزب، وأعلن أنه سيتقدم للجنة شؤون الأحزاب بطلب تأسيس حزب "الأمة القبطية"، حيث أكد إن الحزب ليس له مرجعية دينية مسيحية، وسيضم عدداً من المسلمين، وهو الكلام نفسه الذي ردده المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة بشكل آخر حينما قال: إنهم لا يريدون حزباً دينياً، بل مديناً له مرجعية إسلامية. وقد تعجبت بشدة من دعوة البعض لإنشاء أحزاب دينية في مصر. وهي حقاً دعوة حق يراد بها باطل، ليس لكوننا ضد الدين.. بل لكوننا نرفض بشدة التوظيف الديني للسياسة، كما نرفض _أيضاً- الطرح المقابل الذي يستخدمه البعض بإتقان للتوظيف السياسي للدين. والغريب إن ما نواجهه إسلامياً من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة.. نواجهه مع قلة من المسيحيين الذين يروجون لفكرة الحزب الديني. وفي اعتقادي أن أهمية رفض مثل هذه الدعوات سواء كانت أحزاباً أو جماعات أو شرطة خاصة يعود لعدة أسباب، منها: أن الأقباط ليسوا عنصراً قائماً بذاته في مصر، وليس من غاياتهم أن يكون لهم كيان سياسي خاص بهم، بل أن مصلحتهم في رفض مثل هذه الدعوات الانتقائية لكي لا يتم عزلهم تلقائياً داخل هذه الكيانات الطائفية التي لا تتفاعل مع المجتمع.. بقدر ما تنغلق علي نفسها وتتقوقع. والمقارنة بشكل عام هنا بين جماعات وأحزاب سواء كانت مسيحية أو إسلامية.. تؤكد إن كليهما يكرس الطائفية والتمييز الديني في مصر لأن أصحاب الدين الثاني في كليهما سيكون بمثابة (بروش) علي صدر الحزب مثلما ذكر أمين عام راحل لحزب إسلامي مجمد لواحد من أعضاء حزبه المسيحيين. إنه تسييس الدين المبني علي أهداف خفية غير معلنة، كما إنه تديين للسياسة من منطق الحكم باسم الله تعالي، ولا مانع من القتل باسم الله أيضاً وانتهاك كافة الحقوق الإنسانية التي أقرتها الأديان. بالإضافة إلي إن تلك الكيانات الدينية.. سينتج عنها فتنة مجتمعية لا نعرف مدي تأثيرها أو خطورتها.. سوي كونها تمثل الدخول في نفق الأزمة.. الطائفية. أضف إلي هذا أن الخطاب السياسي الذي يروجه أصحاب وأتباع تلك الكيانات ليس هو المعيار الأهم لقياس مدي ديمقراطيتهم، لأن مثل هذه النوعية من الخطابات تحمل قدراً كبيراً من التكتيك للإيحاء بانطباع يراد له الترويج، وقد يتضمن ما لا يؤمن به أصحابه أو يحجب ما لا يراد الإفصاح عنه. وبالتالي، يكون المعيار الحقيقي لاختبار مفردات أي خطاب سياسي هو مدي تطبيقه في الحياة العامة. وأظن أن مثل هذه الجماعات والحركات المحظورة أو الجماعات الدينية تنتهج المراوغة واللف والدوران بما يكفي لاستقطاب عامة المواطنين تحت شعارات رنانة في سبيل خدمة أهدافهم الخاصة. وفي اعتقادي، انه لا يمكن أن يقوم كيان علي أساس ديني ويدعي المدنية أو العلمانية سواء بأن يضم أعضاء من الدين الثاني أو من خلال مرجعية دينية محددة. وفي هذا السياق، يجب أن نؤكد أن أي كيان مصري يجب أن يضم جميع المصريين وليس فئة معينة منهم، لأنه لا يجب أن نستخدم الدين كحاجز يحول دون انضمام فئة دون أخري للعمل السياسي. حقاً، إنها مهاترات طائفية بعضها يتسم بالسذاجة، والبعض الآخر يتسم بالحماقة.. غير أن أهم ما يجمعهما هو تكريس فكرة الدولة الدينية البغيضة