يبدو أن منطق الشمال والجنوب مازال سائدا أو غالبا وأصبح سمة رئيسية داخل الوسط الكروي العالمي ومازال الاتحاد الدولي "الفيفا" برئاسة السويسري جوزيف بلاتر يري أن منتخبات الشمال هي الأقوي والأفضل والأكثر شعبية والتي تحقق مصالح كرة القدم بصفة عامة ومصالحه الشخصية بوجه خاص نظرا لأن السوق الأوروبية الكروية هي الرابحة ومحط أنظار المتابعين والسماسرة والمهتمين باللعبة الشعبية الأولي ومهبط اللاعبين المحترفين والبورصة التي تدر ذهبا علي الساحة المستديرة. فمازال رئيس "الفيفا" يهدد الأفارقة بعدم زيادة رقعة اختيارهم للمشاركة في المونديال ما لم تحقق نتائج متميزة في المونديال الألماني وأن أقصي مقعد يحصلون عليه واحدا في حالة تألق جميع المنتخبات السمراء في المونديال.. وعلي الرغم من وعوده المعسولة بتدعيم الاتحادات الأفريقية باعتبارها تملك "ربع" قوة "الفيفا" في الأصوات ومنحها 2 مليون دولار سنويا لتدعيمها عن طريق "مشروع الهدف" إلا أن هذه اللعبة الانتخابية أصبحت مكشوفة لأنه يخادع العالم الثالث في الباطن ويظهر عكس ما يغمره في نواياه والتي تتماشي مع اللعبة الانتخابية التي أصبح يتقنها ويسعي للاستمرار فيها في الدورة القادمة أيضا حتي ينعم بثروات أكبر مؤسسة اقتصادية والتي تتعدي المليارات من اليورو والدولارات. ومن جهة أخري خلت الطلعات الأولي من جولات مونديال ألمانيا 2006 من المفاجآت سواء من العيار الثقيل أو الخفيف وجاءت النتائج منطقية ومتوقعة وظهرت المنتخبات الكبيرة أكثر حرصا وتركيزا أمام الفرق الصغيرة رغبة في القضاء عليها مبكرا حتي يقع الكبار معا ابتداء من دور ال 16 للمونديال.. وفي الوقت الذي بدأ فيه الصغار إعلان شعار التحدي جاءت قرارات الحكام داخل البساط الأخضر ليدحض أحلام براعم المونديال عملا بالمقولة السائدة "الكبير كبير.. والنص نص". وبنظرة عنصرية لما دار من لقاءات ونتائجها تشير الدلائل والأرقام إلي أن منتخبات الشمال مازالت تفرض سطوتها وكلمتها علي دول الجنوب التي مازالت تفضل الاكتفاء بشرف المشاركة في الأدوار الأولي لنهائيات المونديال. ففي مباريات الجولة الأولي لم يستغرق الألمان وقتا طويلا مع افتتاحية المجموعة الأولي من القضاء علي غريمهم الكوستاريكي ولم يأبه الألمان بقرارات الحكم الأرجنتيني والتي ساهمت في تسجيل هدفين لكن كوستاريكا عن طريق نجمها وانشوب من شبه تسلل مشيرا باستئناف اللعب طبقا لراية الحكم المساعد.. واستطاع المهاجم ميروسلاف كلوزا من تسجيل هدفين لفريقه بخوض معركة المنافسة علي الهدافين ويثبت أن الكبير من الهدافين كبير بالفعل.. أما أجمل الأهداف فكان لفيرجسون لاعب خط الوسط الألماني المندفع بقوة التسديد من مسافة بعيدة المدي وجاءت الافتتاحية لتعود بالرقم القياسي من جديد بعد غياب 72 عاما حيث كان السبق لمباراة إيطاليا وأمريكا 7/1 للأزوري. وجاءت نتيجة إنجتلرا وباراجواي منطقية للغاية بفوز الإنجليز بهدف للاشيء في مباراة تكتيكية للغاية سعي إليها إنجلترا بقيادة السويدي أريكسون حتي يزداد أمله في الصعود للدور الثاني عن طريق حصر النقاط لغياب واحد من أهم أعمدته الأساسية وهو المهاجم روني الذي تعقد عليه الجماهير الإنجليزية آمالا عريضة. وجاءت مباراة الأرجنتين وكوت ديفوار بفوز الأرجنتين بهدفين مقابل هدف واحد بين الكبير المتحفز والمتأهب والخائف لعدم الوقوع في فخ الهزيمة كما حدث منذ أعوام من الكاميرون ولذلك جاءت خطة خوسيا بيكرمان المدير الفني للأرجنتين في غاية التحفظ والاحتياط الواجب ورغم أنه كان متقدما بهدفين إلا أنه تراجع للدفاع عن مرماه وترك لدروجبا ورفاقه الطريق مليئ بالمطبات والحفر حتي تمكنوا من تسجيل هدف واحد فقط لم يغن من حصد أي نقطة. كما جاء فوز هولندا علي صربيا متوقعا بقيادة كان باستن أصغر مدرب في المونديال 42 سنة يتساوي مع كلينسمان الألماني وسجل الهدف آرين روبن ليحصد الهولنديون ثلاث نقاط تجعلهم في نشوة قبل مواجهة الإيفواريين المقبلة. أما مباراة المكسيك وإيران وإن كانت ثقيلة في نتيجتها إلا أنها لم تكن مفاجأة بل من المنطق أن يفوز المكسيكيون بالنقاط الثلاثة لما يضمه بين صفوفه من نجوم أمثال بيريز وموراليس وباردو وماركيز وجاليترو وتتميز الكرة المكسيكية بروح المغامرة والإقدام ويقودهم مدرب جريء وهو الأرجنتيني ريكاردو لافولبي.. أما المنتخب الإيراني فقدزاد معدل أعماره السنية ويقوده داخل الملعب النجم المخضرم علي دائي ومعه المتوهج علي كريمي ويقوده الكرواتي برانكو ايفانكوفيتش. كما جاءت مباراة إيطاليا مع غانا وفوز الإيطاليين بهدفين نظيفين لتعلن تفوق الشمال علي الجنوب حتي وإن حاول الأفارقة التعبير عن أنفسهم وتأكيد ذاتهم في المونديال بأن التحكيم يلعب لعبته في إيقاف مسيرة أهل الجنوب والاكتفاء بمجرد المشاركة حيث ظلم الحكم الفريق الغاني بعدم احتسابه ضربتي جزاء صحيحتين ومع ذلك حاولت غانا بقيادة نجمها مايكل ايسيان لكن دون جدوي. وتعتبر مباراة السويد وترينداد وتوباجو والتي انتهت بالتعادل بدون أهداف ليست مفاجأة كما أطلق عليها البعض الذين رأوا ذلك لفارق الخبرة بين المنتخبين ولكن المتتبع لنتائجهما الأخيرة في التصفيات يجد أن ترينداد من الدول التي تتقدم كرويا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وسيكون لها شأن في الكرة العالمية. أما لقاء الأكوادور وبولندا والذي فاز فيه الأكوادر بهدفين للاشيء فيشير إلي تراجع الكرة البولندية في الآونة الأخيرة ومعاناتها في التصفيات قبل التأهل للنهائيات وخلو فريقها من النجوم مثلما كان في الماضي حيث يتذكر التاريخ جيدا نجمها الشهير لا تتو أحد إبرز هدافي كأس العالم في السبعينيات، ويأتي الحرص الشديد من المديرين الفنيين علي حصد النقاط في الدور الأول حتي لا يتعرضوا لهزات وكبوات قد تطيح بآمالهم مبكرا طموحات منتخباتهم وأحلامهم الشخصية.