تهتم الدوائر الاقتصادية والسياسية والباحثون في مجال التنمية والصناعة والتجارة بالنموذج الصيني الاقتصادي المتنامي.. والذي نجح بسرعة غير متوقعة.. مما يشكل في محصلته تأثيرا علي موازين الاقتصاد العالمي.. خاصة في ظل مقوماته التي اخترقت من الغرب إلي الشرق وما بينهما.. بالاضافة إلي تحدياته التنافسية مع القوي الاقتصادية الكبري في العالم وفي مقدمتها أمريكا واليابان والهند ودول الاتحاد الأوروبي. ومن بين الأبحاث والدراسات العديدة حول النموذج الصيني الاقتصادي.. صدر في الفترة الأخيرة مؤلف هام وكتاب قيم لاستاذ في الموارد البشرية والادارة بكلية فيشر لادارة الاعمال التابعة لجامعة أوهايو الأمريكية يمثل في نفس الوقت شركة فورد للسيارات لدي معهد الإدارة والتجارة العالمي.. وهو أوديد شينكار والذي اتخذ من احوال الصين وأمورها مجالاً لأبحاثه فوق ما يقرب من ثلاثين عاما ماضية.. مستثمراً خبراته وعمله كمستشار اقتصادي للعديد من الشركات بالولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والصين واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من المنظمات الدولية. ويتوقع أوديد شينكار في مؤلفه الهام المعنون "العصر الصيني الاقتصاد الصيني المناهض وتأثيره علي الاقتصاد العالمي وتوازن القوي وعلي أعمالك" والذي ترجمته للمكتبة العربية "الدار العربية للعلوم".. أهم الأحداث والمتغيرات التالية حول الصين: أن محصلة التوقعات والتنبؤات تشير إلي أن الصين خلال عشرين عاما أو أقل سيصبح لديها أكبر اقتصاد في العالم. أنه نتيجة لذلك.. سيتجاوز تأثير هذا التحول.. انعكاساته علي الدول المنافسة إلي أن تميد بشدة عليك شخصيا وعلي وظيفتك وشركتك ومستقبلك الاقتصادي.. بل علي وطنك أيضا. سيؤدي ذلك بلاشك إلي تغيير جذري في النظام التجاري العالمي.. وستتأثر الولاياتالمتحدةالأمريكية تأثيرا مباشرا وأكثر من غيرها بذلك.. هذا بالاضافة إلي تأثير هذا التطور علي كل مستهلك وشركة عالمية. أن الصين حالياً تعتمد علي محورين هامين في تحقيق تقدمها الاقتصادي. أولهما: عدم احترامها للملكية الفكرية وهو ما يضيف إليها ميزة تنافسية هائلة. ثانيهما: استخدام عمالة رخيصة.. وعدة ملايين من الصناع والحرفيين المهرة واستخدام تقنية بسيطة في السيطرة علي الصناعات التي تتميز بطلب من الأسواق العالمية.. بدول غنية أو نامية أو فقيرة.. مع تحقيق مختلف الرغبات وفق ذوق ونهج كل دولة.. وبكل سوق حتي لا يتناقض مع عاداته وتقاليده. ويضيف أوديد شينكار.. أنه وفق الدراسات التي أحاطت بالخطط الاقتصادية الصينية المستقبلية والتي ستعطيها ميزة أن يكون لديها أكبر اقتصاد في العالم.. فإنها ستحافظ علي صناعات التقنية البسيطة.. بجانب اقتحامها ميدان التقنيات المتقدمة.. بالدخول في الشركات المتعددة الجنسيات والاستفادة من المشاريع الدولية المشتركة والتكتلات الاقتصادية الكبري لتنافس في الصناعات الكبري والمهمة كالسيارات وأجهزة الاتصالات والتقنية والماركات الشهيرة للساعات مثلا... علي ان تحتفظ بالقدرة التنافسية لعرضها بأسعار أقل بكثير من دول أخري كانت متقدمة في انتاجها.. أو مصدر اختراعها أصلا.. حتي ولو اعتمدت بجانب تجاهل الملكيات الفكرية.. علي أساليب أخري تدخل في مجالات غير قانونية وفقا لمواثيق المنظمات الدولية.. أو الاتفاقات بين الدول. وفي مجال المقارنة علي الاقتصاد العالمي.. فيعتبرها في مجال القدرة الشرائية التفاضلية تحتل الصين المرتبة الثانية لأكبر اقتصاد في العالم حتي ولو حاول بعض المراقبين الحد من أرقام النمو الصينية.. بدعوي أنه مبالغ فيها.. فحتي لو تم حذف نقطة من الأرقام المعلنة فستبقي نسبة النمو للناتج القومي كأسرع نسبة للنمو سواء مابين الدول النامية أو العالم المتقدم.. حتي بالرغم من مواجهة الاقتصاد الصيني لبعض العقبات.. مثل النظام المصرفي المتداعي.. والقصور في قطاع الخدمات والحرمان من بعض الحقوق السياسية المهمة. وتعتبر الصين حاليا من أبرز المنتجين الدوليين في بعض الصناعات.. خاصة التي ترتكز علي القوي العاملة فهي تنتج 70 في المائة من الألعاب والدُمْي في العالم، 60 في المائة من الدراجات الهوائية.. ونصف انتاج العالم من الأحذية وثلث انتاجه من الحقائب.. كما تتنامي في مجال صناعة الأقمشة والملبوسات وإن كان قد تم الحد وتخفيض مساهمتها في هذا المجال بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية وانتهاء مدة اتفاقيات التجارة الدولية.. كما أنها تنتج نصف انتاج العالم من أفران المايكروويف (الموجات القصيرة) وثلث انتاج العالم من التليفزيونات ومكيفات الهواء وربع انتاج العالم من الغسالات وهي الجزء الأكثر نموا في صادرات الصين.. خاصة بعد ان بدأت في الانتقال من (التقنية المتواضعة) صاحبة الصناعات المعتمدة علي القوي العاملة فقط.. إلي مرحلة أخري متجددة في مجال التقنية والادارة الحديثة. ولكن يبرز سؤال هام.. عن مصدر الموارد والقدرات التي تعتمد عليها الصين لتحقيق ذلك.. فهي الدولة ذات 3.1 مليار نسمة تقريبا.. فبعد ان كانت الشركات الأجنبية منذ سنوات تروج "أن بيع فرشاة أسنان واحدة لكل صيني" سيحقق لها أرباحا هائلة.. إلا أن ما روجت له الشركات الأجنبية عن الصين سرعان ما تبدد عندما برزت الصين في بداية الثمانينيات.. فأصبح "المثال الوهمي" الذي روجت له بعض الشركات الأجنبية.. مثالا واقعيا داخل أقاليم محدودة داخل الصين.. ولكن كصناعة محلية صينية. وتحولت الصين من خلال سماحها للاستثمار الأجنبي بها لتكون أكبر سوق لطائرات البوينج التجارية ومنتجي المعدات للأمريكيين والبلاد الصناعية الأخري.. كما أصبحت أكبر سوق خارجي لسيارات الفولكس واجن متقدمة بذلك عن الولاياتالمتحدة.. خاصة انها فرضت شرطا لدخول أي اجنبي للاستثمار بها.. وهو ضرورة نقله لتكنولوجيا حديثة.. لداخل الصين.. نظير ميزات ومكاسب للمستثمرين.. لأن المعرفة أفضل طرق الانتاج. وفي نفس الوقت أصبح السوق ا لمحلي بالصين له قدرة تنافسية هائلة.. فلم تفقد الصين التوازن ما بين الداخل والخارج.. ومن هنا.. تكون اجابة السؤال المهم برد وبمثل حي.. عن مصدر الموارد والقدرات. وعلي الجانب الآخر.. لا يمكن أن نتجاهل ان سرعة انطلاق عملية تحديث الصين واكبها.. تحديثها لنظامها التعليمي حتي يقال انها تفوقت علي النظام التعليمي باليابان الذي مازال معزولا إلي حد كبير عن التطور والتحديث.. وهو ما يمثل عائقاً أمام التقدم الاقتصادي.. فالاقتصاد لابد أن يكون قائما علي المعرفة. ومن هنا تحركت الصين لتغيير بنيتها التحتية التعليمية.. من تغيير للمناهج.. وتغيير العقلية التي تحرك مهارتها.. والتواصل مع المؤسسات والشركات الغربية للقيام بالابحاث والتدريب وتبادل الخبرات وكذا استقبال هيئات التعليم.. وتعظيم دور التدريب في الخارج.. إلا أن القيمة التي تمثل الأهمية في هذا المجال.. هي.. الحماس الذي تتمسك به الدولة.. لتحديث المعرفة والبحث العلمي والانفاق علي الجديد منها من جانب.. ووضع سياسة تضمن عودة الطلاب الصينيين العائدين من الخارج بعد تدريبهم إلي وطنهم في نهاية الأمر خاصة وأن أقرب الاحصائيات ما بين عام 2002 إلي عام 2004 تفيد أن 64 ألف طالب صيني يتعلمون ويتدربون بالولاياتالمتحدةالأمريكية بالاضافة إلي 8 آلاف طالب من هونج كونج وأكثر من 28000 طالب من تايوان.. ليصبح المجموع مائة ألف طالب ومتدرب بالولاياتالمتحدةالأمريكية بالاضافة إلي الدارسين بدول كبري أخري في أوروبا واستراليا واليابان. وأخيرا.. هل بعد تحقيق الصين لاقتصادها الناهض والمتنامي.. ستعود من جديد للساحة السياسية الدولية.. وهل ستحقق بعودتها.. موازين عالمية جديدة للقوي في العالم؟! وهل نستفيد نحن في بلدنا من تجربة الصين الاقتصادية والحية كنموذج إيجابي سريع النتائج