في مقال د. عبد المنعم سعيد التحليلي "القاهرة هذه القرية العملاقة" المنشور في الاهرام حاول رصد الاسباب التي جمدت الامور لدينا الي درجة الصفر وارجعها الي غياب ارادة التغيير.. لكن الحقيقة ان السبب هو الاشياء الصغيرة! لقد تعودنا علي تقبل البشاعة لتصبح احدي سماتنا.. نعزف بها لحنا نشازا.. نردده مع يقيننا انه نشاز.. نري القبح ونحن نعرف انه قبح لكن لا نكترث به.. نسمع الفاظ السباب الخارجة فلا تموج اوجاعنا بالألم.. نتعايش في غرابة مع كل ما يخالف قيمنا بل ونبحث عن المبررات فإذا تصدي مواطن غيور علي وطنه لامر يضيق به صدر الناس يتهم بأنه "محبكها" واذا طلب محادثة مسئول لمجابهة هذا الامر فلابد ان يكون له صفة النبل النيابي او صاحب سلطة او مال والتهمة دائما جاهزة "حشري". لا ادري ماذا اصاب المسئولين.. هل يمرون بحالة الاكتئاب التي يعاني منها المواطن المصري تلك الحالة التي اثمرت لا مبالاة وعدم اكتراث وسلبية اوغلت في عصب السلطة.. الي هم ذاهبون بنا وقد اصاب عقولهم الكساح وتشوشت الرؤي وتحولت الاخيلة الي لوحة شديدة القتامة وشاخ فيهم الضمير.. اصبح هرما او كما يقول العرب "ناء عليه الدهر بكلكله". لن نتحدث عن الاشياء الكبيرة.. مال اهدر بالمليارات ولا عن حرية اصبحنا نحلم بها حلم شاب يافع مع محبوبته ولا عن وعود بالتغيير لم يتحقق منها سوي النذر اليسير بل سنتحدث عن الاشياء الصغيرة التي تبدو للبعض صغيرة وذراتها تتجمع في سحابة مسمومة تغطي مصر كلها البشر والمباني.. عليه العوض ومنه العوض اذا هطلت امطارها. منذ زمن ليس بالبعيد وانا اوثر الصمت حول كل ما يحدث امامي من اشياء صغيرة.. اري القبح فأغض الطرف اسمع المبتذل من الاقوال فأسد اذني.. اشم النتن فابتعد لابعد مسافة.. لكن خلال الايام الفائتة انغرزت سنان الاشياء الصغيرة في لحمي الحي.. ادمتني.. بائع سمك يعرض بضاعته علي الكورنيش وينظف السمك ثم يلقي بالمخلفات في نهر النيل وبجواره مواطنون يتنزهون! انسكب السولار اثناء تشوين معدات صاحب المخزن الذي تعلوه شقتي فلوث الشارع والرصيف.. شد الونش سيارات المواطنين من الشارع لان كادر امني قطن نفس الشارع.. حصل مني القمامجي خمسة جنيهات اضافية علي رسم النظافة المدفوع في فاتورة الكهرباء.. قام بعض المواطنين بتحطيم سور الكورنيش وسرقة الحجارة.. قذف الكناس بكناسة الشارع تحت السيارة.. خالفني المرور بغرامة تعدت الالف جنيه لسيارة لا اقودها الا عند سفري لقريتي.. استولي بعض الصيادين علي ارض طرح النهر.. قذفت عربة كسح بمحتوياتها الآثمة من اعلي كوبري الملك الصالح لمياه النيل.. هذه الاشياء الصغيرة رصدتها في دائرة لا تتعدي مساحة قطرها عشرين مترا خلال ايام قليلة.. باتت تضغط علي وتضغط حتي تحولت الي جيل عال لم اجد بدا من تحطيمه.. شكوت لطوب الارض المحافظ ووزارة البيئة ونائب المحافظ ورئيس هيئة النظافة ومدير شرطة المسطحات المائية وكانت الاجابة "اشياء صغيرة".