"أهلا بكم في الفلوجة السودانية"، بهذه العبارة يستقبل ناشط أجنبي في المجال الإنساني الزوار في مدينة طويلة في إقليم دارفور بغرب السودان والتي أصبحت تشتهر شأن مثيلتها العراقية بالعنف وعدم الاستقرار وهجرها معظم سكانها هربا من دائرة العنف إلي مناطق أكثر أمنا، ولكنهم يعيشون أوضاعا إنسانية مأساوية، فهم كالمستجير من الرمضاء بالنار. وبينما اصبحت الفلوجة معروفة بعدما شهدت مقاومة دموية ضد القوات الامريكية، تعاني طويلة من صراعات محلية بين القوات الحكومية والميليشيات الحليفة لها من جهة، والمتمردين المسلحين من جهة ثانية. ويقول جندي جابوني في قوات الاتحاد الافريقي اثناء قيامه بدورية في المدينة "هنا لا نعرف متي ينشب القتال". وتقع مدينة طويلة علي بعد سبعين كيلومترا غرب الفاشر عاصمة شمال دارفور، وسط دائرة جغرافية تجمع كل الاطراف المتنازعة. ويشير قائد القوات الافريقية الكولونيل بليبو الي ان "متمردي نور موجودون في الغرب ومتمردي ميناوي في الشرق، اما في الجنوب، فهناك منطقة تابعة لميليشيا الجنجويد العربية في حين ان القوات الحكومية موجودة في الوسط". ويتزعم عبد الوحيد محمد نور فصيل حركة تحرير السودان الذي يرفض توقيع اتفاق السلام المبرم في الخامس من مايو بين الفصيل الثاني في الحركة الذي يتزعمه ميني ميناوي والحكومة السودانية حليفة ميليشيا الجنجويد العربية. ونور من قبيلة الفور التي يشكل السكان المتحدرون منها الغالبية في دارفور وكذلك في طويلة. ويقول احد وجهاء المدينة الشيخ صديق هارون أحمد "في البداية كنا نخاف من هجمات الجنجويد، أما حاليا، فهم ملزمون رسميا باحترام الهدوء. وما نخشاه الآن هو الصدام بين فصيلي حركة تحرير السودان". ولجأ البعض الي مخيمات المهجرين في الفاشر في حين اقام آخرون مخيما علي بعد مئات الامتار من المدينة نفسها. وبعد اشهر، التحق بهم سكان قري مجاورة. وتستعيد مدينة طويلة حيويتها نهارا لا سيما ايام السوق. ويأتي تجار سودانيون من بلدات مجاورة لبيع التبغ ومحاصيل الذرة البيضاء والماشية. اما في الليل، فتخلو شوارعها الرملية من المارة ويسود السكون في اكواخها بسبب عودة السكان الي المخيمات. ويقول أحمد عبد الرحمن احمد الذي يقيم في مخيم مع افراد عائلته ال 18 إن "كل ما نطلبه هو الأمن للعودة الي ديارنا". وفي ظل عدم الاستقرار الذي يسود المنطقة، قامت المنظمات الانسانية الاجنبية بمغادرة المدينة، باستثناء المنظمة السويدية "سيف ذي تشيلدرن" (انقذوا الاطفال) و"ريليف انترناشونال" (منظمة الاغاثة الدولية) اللتين ما زال لديهما مندوبون تساندهم منظمة الاممالمتحدة للطفولة (يونيسيف). ويقول الكولونيل بليبو ان "المضايقات وعمليات النهب والخطف مستمرة". وغالبا ما تشكل هذه الممارسات السبيل الرئيسي لبقاء المجموعات المسلحة، سواء كانت من الموقعة علي اتفاق السلام او لا. وفي قرية تينا الصغيرة غرب طويلة يشدد "الجنرال" طرادة وهو مسئول عسكري في فصيل حركة تحرير السودان التابع لنور "لا يمكننا التوقيع علي اتفاق السلام طالما لم نحصل علي حقوقنا". وتعرضت هذه القرية التي يسيطر عليها الآن هذا الفصيل لهجوم علي يد انصار ميناوي في مارس الماضي قبل ان ينسحبوا بعد ثلاثة ايام، فعاد المتمردون الذين يتزعمهم نور الي الاستيلاء علي القرية. ويحيط حراس مسلحون بقاذفات صواريخ ورشاشات كلاشينكوف، وقد ربط بعضهم فرشاة اسنانهم حول عنقهم، ب"الجنرال" طرادة الذي يذكر بمطلبي مجموعته وهما توحيد دارفور والحصول علي منصب نائب رئيس السودان. وتعاني بلدة جلاب هي الأخري من أوضاع مأساوية، فقد ارتفع عدد سكان البلدة التي تقع في ولاية شمال دارفور الي اكثر من 12 الفا مع تدفق الاف النازحين حتي اصبحت تصنف مخيما فكثرت حاجاته وقلت موارده بسبب غياب الامن. ومن سوء حظ المخيم الذي يبعد ثلاثين كلم جنوبالفاشر، عاصمة الولاية، انه يقع في منطقة تسيطر عليها مجموعة من المتمردين. واوضح موظف في منظمة الاممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) لعمدة جلاب ان "المنظمات غير الحكومية لا تستطيع ان تأتي الي هنا بسبب انعدام الامن". واليونيسيف شأنها شأن بقية وكالات الاممالمتحدة، من المنظمات القليلة التي تستطيع التنقل بسهولة نسبية بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والتي يسيطر عليها المتمردون. وسرق المتمردون سيارتين تابعتين لمنظمة غير حكومية مالطية كانت تدير مركزا غذائيا في الغلاب فاغلقت هذه المنظمة خيمتها الكبيرة وباتت تكتفي بتقديم خدمة طبية بسيطة بضعة ايام في الاسبوع عن طريق فريق متنقل. وكانت منظمة "هيومان رايتس ووتش" دانت في تقرير صدر مؤخرا العراقيل التي تحول دون وصول المساعدات الانسانية الي دارفور وبالخصوص وسط مضايقات الحكومة وعمليات المتمردين لنهب القوافل والخطف. ودعت المنظمة الدول المانحة الي الوفاء بتعهداتها لا سيما قبل حلول موسم الامطار من يونيو الي اغسطس عندما يستحيل الوصول الي بعض المناطق. وقالت انطونيا باراديلا الناطقة باسم برنامج الغذاء العالمي في السودان "بالنسبة لبرنامج الغذاء العالمي يشكل السودان احدي العمليات اللوجستية الاكثر تعقيدا في العالم". واوضحت ان "التنقل بين بور السودان (من حيث تصل المساعدات) وغرب دارفور حيث نحاول تقديم الاغذية لنحو نصف مليون شخص قد يستغرق اسبوعين وخلال موسم الامطار تقطع المسالك ولذلك يجب ارسال المساعدات قبل حلوله". وقد تسبب نزاع دارفور بين المتمردين والقوات الحكومية وحليفتها الميليشيا في نزوح 4،2 مليون شخص يعانون من الجفاف علاوة علي الحرب وتزايد أعمال العنف