هناك أشجار تطرح ثمارا تفيد الإنسان فيعتز بها ويحرص علي نموها وإطالة أعمارها. والأفكار في حياة الشعوب تماما كالأشجار تعطي ثمار كينونتها، والإرهاب في بلادنا كأشجار الشوك فمن الذي بذر هذه البذور وغذي جذورها في تربة طيبة نقية الأعماق فراحت تدمينا بشوكها الجارح؟ قرأت ذات مرة أسطورة صينية قديمة تحكي أن رجلا يمتلك بستانا جميلا تنمو في كل جنباته أشجار التفاح.. وهي تعطي طرحها ثمرا جميلا في موعد الحصاد وقام صاحب البستان بعمل سياج من الأسلاك الشائكة حول البستان وذات يوم دارت مناقشة بين السلك الشائك وبين أشجار التفاح.. قال السلك الشائك للتفاح.. أنا قوي جدا وحديدي الصنع والمزاج ولي أظفار وأنياب حادة تؤذي من يقترب مني وتدمي بشرته وتمزق ثيابه. أما أنت أيها التفاح فصاحبك الذي أوكل لي حراستك فإنه يأتي في موسم الحصاد ليجنيك فيأكل الناس ثمارك أما أنا فلن يجرؤ أحد علي الاقتراب مني.. وهنا ردت أشجار التفاح: نحن ننمو وتتكرر القطوف التي يستمتع الناس بمذاقها. أما أنت أيها السلك فأنت شائك بطبيعتك، وتمر الأيام ويحتاج صاحب البستان إلي تجميله وزيادة اتساعه فحضر فجأة ومعه معدات وحفار وقام بإزالة هذا السور من السلك الشائك ليزرع مكانه أشجارا جديدة من التفاح لمضاعفة الثمار وصارت الأرض في البستان كلها أشجارا. في هذه الأسطورة الجميلة نتعرف علي معان رائعة. قد يختلف البعض في تفسيرها لكن هناك معني لا يخضع للاختلاف وهو أن الحب يهزم القسوة والكره. فنحن بداية نشعر بتقهقر شديد لثوابت الحب الاجتماعي بين الجميع فهربت الطمأنينة من القلوب وهجرت العقول لما أصابها من لغو وحشو عبر كل القنوات في المجتمع، نتغني بثقافة التسامح ولا نعمل لأجلها نناقش الخطاب الديني ولا نعمل علي تجديده وإصلاحه، مسميات ومقترحات واصطلاحات نطرحها دون أن نضع برنامجا معالجا لمشاكلنا، عشقنا المسكنات من اجتماعات ولقاءات وابتسامات وقبل وكأنها التمثيليات قد اضحت حياتنا. دون أن نبحث عن الجذور التي هي أصل الداء وهو ما يسمي "بأم القبح" في موروثنا الشعبي حينما نشكو من جرح أو بعض الدمامل التي تؤرق الإنسان، فما الذي سنفعله تجاه ليس أحداث دهب وحدها لكن أمام كل ما عانيناه من إرهاب. حسنا فعل الرئيس مبارك حينما دعا منذ زمان لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب. ولم تلق هذه الدعوة المهمة الاهتمام اللائق بها ولعل من تقاعس عن تلبية هذه الدعوة هو أكثر من أصابته نار الإرهاب. فعلينا منذ الآن إعادة الحسابات بدقة بالغة حيال هذه القضية فما الذي يدفع بشاب غض الإهاب ليضحي بحياته مدركا أن جسده سيتمزق إلي أشلاء؟ أسئلة أيضا تقول هل فقد هذا الشاب إيمانه بالله ليقبل علي الانتحار بإرادته؟ سؤال أيضا.. من الذي استطاع إقناعه بهذا الفكر المارد.. من الذي استطاع أن يزرع بداخله أن قتل الآمنين هو شهادة تكتب له جنة الخلد.. وأقول نحن نعلم من الذي أقنعه.. ولم نمنعه لم نفعل شيئا لدرء هذا الخطر.. التقصير منا والعيب فينا، إنها بعض الأشواك التي يزرعها حفنة من المعلمين فقدوا الانتماء والضمير.. بعضهم زرع في نفوس الصغار أن تحية الوطن وتحية العلم حرام نحن بحاجة إلي إعادة تربية أولادنا.. وهل هذا بالممكن.. أم أننا لم نستنفد حقل الممكن فحولنا صخب وصراخ وقنوات تتحارب عوضا عن أن تعلم، قنوات تتصارع في مسألة الأديان والحرام والحلال.. وتخلق العداء للآخر الذي هو جميعنا أنت وأنا فهانت علي بعضنا كل الأشياء حتي الذات وصار البعض منا بلا قيمة وبلا ثمن فصار بعضنا مثل يهوذا الخائن الذي باع سيده بالفضة الزائلة، تعالوا نعلم أولادنا الحب.. الحب وكفي لأن الله المحب لا يكره أحدا لنتعلم من الخالق اسمي قيم التسامح التي بثها في أدياننا السماوية، تعالوا نقول لهم إن من يخدش جسد أحد فقد أساء إلي نفسه، ما أحوجنا أن نزرع الحب في كل قلوب الجميع. شأن آخر أيضا وهو حل مشاكل الشباب التي تفاقمت وجعلت سوادهم الأعظم في مفارقة الطرق، فأسرته بعض الشبكات ووجهت فكره وفق ما تحب. إن التغني بحب مصر صار لغة الشفاه بعد أن كان وجدان القلب والروح. إن الغناء تحول إلي جفاء، إن المكافحة الحقيقية للإرهاب تأتي بتصحيح الفكر وتنقية القلب مما أصابه ولوثه، نحن في أمس الحاجة إلي صحوة فكرية ونهضة اجتماعية مصرية شاملة وإن كنا قد بدأنا الخطو نحو الديمقراطية فإن استكمال مسيرتها هو الفيصل بين أن نكون أو لا نكون. فالتركيز علي التنمية والاهتمام بالتعليم وتصحيح المسار الإعلامي المسموع والمرئي أمور كثيرة يدركها كل مسئول، وثمة أمر مهم يزعج كل شاب وهو توفير الوظيفة والمسكن المناسب، ففي النمسا مثلا يحصل الشاب علي شقة وأثاثها كاملا بواقع قسط بسيط من راتبه بدون مقدم بدون فائدة وفي إنجلترا نجد نظام الشقة الاستوديو مساحتها لا تتجاوز الأربعين مترا. مع وجود أثاثات تطوي داخل الحائط لتتسع مساحة المكان في حين أن شقق الشباب في مصر مساحاتها تتراوح بين 60 و70 مترا. نحتاج أيضا إلي تطوير فكري يخدم قضايانا ولماذا لا يمد أصحاب الأيادي البيضاء راية المساعدة للشباب ولديهم القدرة علي ذلك، حيث يشتري الشباب مساكنهم بأقساط مناسبة دون مقدمات تعوق خطوة الزواج.. أن معظم شبابنا ينتمي لأسر بسيطة ليس بإمكانها شراء شقة تمليك أو سداد إيجار شهري يصل إلي مبالغ تفوق المرتب أحيانا.