النجاح الكبير الذي يحققه يوميا برنامج "البيت بيتك" الذي يذاع علي القناة الثانية، والذي أعاد المشاهد المصري مرة ثانية إلي شاشة التليفزيون الوطني بعد غياب لم يحل دون وجود أخطاء يرتكبها القائمون علي البرنامج يوما بعد الآخر، حيث لم يعد الأمر مقصورا علي استهلاك المذيعين في البرنامج الذي ضرب رقما قياسيا في عدد المذيعين الذين عملوا فيه، مقارنة ببرنامج "صباح الخير يا مصر" مع الإقرار باختلاف طبيعة البرنامجين، نظرا لأن "البيت بيتك" يعد برنامجا إعلانيا في المقام الأول؛ فمن المذيعين الذين توافدوا علي "البيت" علي سبيل المثال: أميرة عبدالعظيم وهند رشاد وشيرين الشايب وعمرو جميل وعمرو قنديل وشافكي المنيري ومعتز الدمرداش وجاسمين طه وياسمين عبدالله وشريف عبدالرحمن، وأخيرا محمود سعد وتامر أمين ونيرفانا المستبعدة حديثا، والتي فجر قرار استبعادها أسئلة كثيرة حول هذا البرنامج الذي تجرأ منتجه محمود بركة علي القول إن رئيس التليفزيون سوزان حسن لا تملك سلطة أو وصاية علي العاملين فيه، مما دفع خبراء الإعلام لإعلان استنكارهم ليس فقط لهذه التصريحات الاستفزازية، وإنما لكون البرنامج تحول إلي ما يشبه الجزيرة المنعزلة، وهو ما أوجزه د. صفوت العالم بقوله: هذا البرنامج في حاجة إلي إعادة صياغة بعدما تحول إلي مركز قوي داخل مبني ماسبيرو، وتسبب في ضياع هوية القناة الثانية وعطل كل كوادرها المتخصصة من مذيعين ومعدين ومخرجين وأصبحت القناة الثانية مجرد قناة لعرض مباريات كرة القدم و"البيت بيتك"؛ الذي أعطي أهمية مبالغ فيها للجانب الإنتاجي مما جعل البرنامج يدار من فوق رئيس القناة، التي أصبحت بلا دور ولا تستطيع التدخل سواء بالسلب أو بالإيجاب، وهذه كارثة لأننا بذلك طمسنا قناة بأكملها من أجل برنامج هو في الأساس مجلة ولا هوية له وليس له حدود أو اختصاصات. فما حدث أن المسئولين في التليفزيون المصري تنازلوا بسهولة علي ثلاث أو أربع ساعات يوميا تمثل ذروة المشاهدة لبرنامج في مقابل صفقة ما تم علي إثرها تعظيم دور المنتج مقابل ضياع قناة فقدت بعدها التنويري والثقافي ولم يعد لفاطمة فؤاد رئيس القناة الثانية إلا برنامج "صفصافة" الذي يذاع صباحا ثم خريطة مليئة بنشرات الأخبار وبمباريات كرة القدم وأخيرا "البيت بيتك"، ومن وقت لآخر أغان وفقرات أجنبية ولا وجود للبرامج الإخبارية التي تقتصر علي القناة الأولي. فهل يعقل أن نسمح لبرنامج "مجلة" أن يذاع يوميا في هذا التوقيت الممتاز ولمدة تزيد علي الساعتين؟ في الوقت الذي استهلك فريق العمل نفسه، ولم يعد هناك إعداد قوي كما كان في السابق ولم تعد هناك تقارير تمتع المشاهد بل وصل الأمر إلي تكرار الضيوف كأمر طبيعي فهذا البرنامج ما هو إلا غول يومي لابد أن تمتلئ فقراته، وبالتالي يحدث هبوط وصعود في أداء البرنامج وهو ما اعتبره مؤشرا لوزير الإعلام الذي إذا أراد الحفاظ علي نجاح هذا البرنامج فعليه أن يقرر إذاعته مرة أسبوعيا ويترك الفرصة لظهور أكثر من برنامج بأكثر من مذيع، بحيث تتنوع الأفكار؛ فمن الناحية العلمية والمنطقية مرفوض تماما أن نقول إن هناك برنامجا رسميا للتليفزيون أو أن هذا البرنامج يتفوق علي أقرانه فيضخ من أجله كل الإمكانات، والمفروض أن تدار الشاشة بالتنوع وبالتعدد في الأشكال البرامجية وإلا تصبح الإدارة معيبة! والقضية الأخطر في رأي د. صفوت العالم والتي لا يلتفت إليها أحد تكمن في استغلال المنتج لشاشة التليفزيون المصري لتكون جسرا لتحقيق أكبر عائد مادي، فهناك تساهلات تحدث مع استطلاعات الرأي العام والتي تحقق للمنتج ملايين الجنيهات، وأرجو أن يحاسب القطاع الاقتصادي صاحب البرنامج علي هذا الوقت الإعلامي والتكلفة الإعلانية للوقت المخصص للمسابقات التليفونية داخل برنامج لابد أن يلتزم فيه منتج البرنامج بدفع مستحقات التليفزيون للقطاع الاقتصادي الذي إذا تخاذل في هذا الأمر لاستحق تدخل الجهاز المركزي للمحاسبات فورا، لأن هذا يعد إهدارا للمال العام، فإذا وضعنا في الاعتبار أنه عندما يقرر المنتج إعطاء جائزة لمشاهد ما (10 آلاف جنيه مثلا) فمن المؤكد أنه ربح في المقابل ما لا يقل عن نصف مليون جنيه! وعن مدي تأثر "البيت بيتك" بتعدد المذيعين الذين توافدوا عليه وعلي مصداقية البرنامج، يقول: ليس هناك علاقة بين تعدد المذيعين ومصداقية البرنامج بل علي شكل البرنامج وأدائه ف"البيت بيتك" يختلف عن برنامج "صباح الخير" لما له من بعد إخباري وسياسي ويطبق فيه نظام تعدد المذيعين بأسلوب دقيق وجيد وهو ما يخلق بين المذيعين روح المنافسة والتجديد، أما في "البيت بيتك" فالأمر يحكمه الأهواء الشخصية، ووصل الأمر لدي بعض المذيعين إلي التعالي علي الضيوف وقطع حديثهم وأحيانا غلق باب الحوار بأسلوب فج في الوقت الذي يقدم فيه مذيع آخر فقرات البرنامج في ثلث ساعة كاملة وهم لا يعلمون أن الكلمة لها وزن وقيمة علي الشاشة، ثم ما ذنب المشاهد أن يري المذيع نفسه يوميا ولمدة ثلاث ساعات بغض النظر عن تميزه. د. سامي الشريف وكيل كلية الإعلام بجامعة القاهرة يتفق تماما مع وجهة النظر هذه ويضيف إليها بقوله: هذه النوعية من البرامج التي تعرض يوميا تتطلب في الكثير من الأحيان تغيير المذيعين ومقدمي البرنامج لأن الاستمرارية قد تصيب المشاهد بالملل؛ فالقصور في الأداء لابد أن يواكبه قرار بالتغيير الفوري، لأن برنامج "البيت بيتك" من البرامج التي تهم الشارع المصري، لأنه يناقش قضاياه السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، ومن هنا كان لزاما أن ننتقي مذيعين يحققون هذه الأهداف، لأن البرنامج لا يرتبط بالمذيع وإنما يرتبط بفكرته وتوجهه. وبالتالي لابد من إتاحة الفرصة أمام عدد كبير من المذيعين لتقديم فقرات البرنامج والتجديد في شكله، وهذه حكمة يراد بها خدمة المشاهد في المقام الأول والأخير مع مراعاة نقطة غاية في الأهمية، وهي قدرة المذيع علي تجديد نفسه وتجديد أسلوبه وطرح موضوعات جديدة، وهو أمر لا ينبغي أن نتغافل عنه، واستمرارية المذيع في البرنامج شهر أو 6 أشهر وحتي سنة أمر غير مقبول. لكن القصور في الأداء لابد أن يواجه بوقفة حاسمة، لأنه برنامج مهم ويذاع علي الهواء في وقت ذروة المشاهدة، والمسألة لابد أن يتعامل معها بكل جدية وبلا تهاون. ومن ناحيتها تقول الإعلامية نجوي أبو النجا رئيس قطاع قنوات النيل المتخصصة سابقا: لن أقيم برنامج "البيت بيتك" كبرنامج لكنني سأقيم تجربة تغيير وتعدد المذيعين عموما وفقا لتجربة شخصية لي أثبتت فعالياتها ونجاحها، ففي الإذاعة وتحديدا في شبكة صوت العرب في السبعينيات رأينا أن تسند سهرة الأحد التي تذاع أسبوعيا إلي فرق عمل مختلفة وقيادة مختلفة لنخلق روح التنافس الشريف والرغبة في النجاح بين كل فرق العمل والمستفيد في نهاية الأمر هو المستمع، وأثبتت التجربة نجاحها ومازال هذا الأمر مطبقا حتي الآن. وبالتالي أنا أتحدث عن مفهوم وسياسة تتعلق بكيفية تعدد وتنوع المذيعين لخلق فن وإيجاد فرص نجاح من خلال هذا اللون الإعلامي الذي نحسه نحن الإعلاميين أصحاب التجربة في هذا المجال وأبناء مبني ماسبيرو، لأن تعدد المذيعين يجب أن يكون من أجل زرع بذرة المنافسة والرغبة في العمل وإتاحة الفرصة للجميع للإبداع، فالمشاهد أو المستمع لا تهمه خلفيات هذا التعدد والتنوع، إنما يحكم علي ما يراه أو يسمعه في برنامج "البيت بيتك" ما يهم المشاهد وهو المتلقي فيحكم علي فقرات هذا البرنامج، وهل هي جميلة وممتعة أم مملة وغير شيقة وهل تم اختيار الموضوع بدقة وبضيوفه، وبالتالي أسلوب المذيع في تناول هذا الأمر. وبالتالي عندما نريد أن نناقش أو نقيم برنامجا فعلينا أن نحكم عليه من منظور المشاهد لا بمنظور العالمين ببواطن الأمور حتي لا نؤثر علي المشاهد بخلفيات وحقائق لن تفيده بشيء ولا تعنيه فعليا، فما يهمني في "البيت بيتك" وإن كنت لا أتابعه جيدا أن يحقق للمشاهد ما يرضيه، وهذا هو مقياس نجاحه وعليه أن يقدم أفكارا جديدة ويحسن اختيار الموضوعات والضيوف وأسلوب الأداء للمذيعين.