إن سعي الثقافات الوطنية والقومية لاكتساب بعد عالمي في تقديري سعي مشروع، لهذا تتصارع الثقافات وتتنافس من أجل أن تتبوأ موقعاً أفضل علي الخريطة الثقافية العالمية. إن الثقافة الوطنية أو القومية الحية، التي تنظر إلي الكائن البشري كإنسان، وتخاطبه كنموذج للإنسانية جمعاء، وتجتهد في تشخيص مشكلاته وطرح حلول لها، وبلورة تطلعاته، إن هذه الثقافة تستطيع أن تتجاوز حاجز المحلية والإقليمية والقومية لتدخل عالم العالمية. فالثقافة ذات الجوهر الإنساني يمكنها استيعاب وهضم الخبرات والتراث الإنساني العلمي والتقني، والانفتاح علي الدوائر الثقافية الأخري هذا الانفتاح والاستيعاب والهضم وإعادة الافراز هو مصوغ الأنتقال من ضيق المحلية والقومية الي رحاب العالمية. والعكس صحيح فالثقافة الاستعلائية والعنصرية التي تؤمن بمحليتها إلي درجة الانغلاق والانطواء تحت مبرر المحافظة علي الهوية الثقافية هي التي تبقي أسيرة هذه الحواجز والأُطر وهي بالضرورة تؤدي الي تخلف أهلها. لقد بدأت الثقافة الغربية تأخذ طابعها العالمي والكوني حينما أنهت من بنائها النظري حالة الانكفاء علي الذات والتوجس ومحاربة الآراء والأفكار والرؤي المختلفة.. إن عالمية الثقافة لا تتحقق عن طريق محاربة الثقافات الأخري وإنما عن طريق احترامها والتسامح معها والتفاعل مع أنساقها المتعددة والثقافة المصرية بمضمونها وجوهرها الإنساني بإمكانها أن تصبح ثقافة عالمية- إنسانية إذا توافرت لها ولأهلها السمات التالية: 1 الإيمان بأن الهوية الثقافية المصرية الآن هي مزيج تاريخي (مصر القديمة/ مصر القبطية / مصر الاسلامية العربية) ومزيج جغرافي (شرق البحر الأبيض المتوسط / وأفريقيا). بالاضافة الي تأثير حضارة الواقع (الحضارة الغربية)، وأن المزيج في الثقافة صفة جودة وليس صفة رداءة وأن التفاعل الإيجابي والتلاقح مع الثقافات الأخري هو أحد أهم أسباب بقاء وانتشار الثقافة المحلية ورقيها . 2 الأخذ الواعي العميق بمبدأ الحرية والديمقراطية بأوسع معانيهما ايماناً بأن الحرية ملازمة للحداثة والتقدم والازدهار _ وأن الاستبداد والطغيان ملازمان للتخلف. 3 أكثر استعداداً لقبول تعدد الآراء والايمان بأنها لا تمتلك الحقيقة المطلقة. 4 لا تسلم بكل ما يأتيها من أرباب السلطة بصورها المختلفة (سياسية /دينية /أبوية). 5 لا ترفض حق الأدني في السلم الاجتماعي من ابداء الرأي والتعبير والاختلاف في الرأي. 6 تعتقد بأن حصة الفرد ونصيبه يجب أن يتناسب طردياً وعكسياً مع مدي مساهمته في الانتاج ومع دوره في المجتمع من خلال تفعيل معيار الكفاءة. 7 تؤمن وتدعو لمفهوم جديد للكرامة الانسانية يتخطي الأجناس والألوان والأديان والجنس. 8 الاستعداد النفسي والعقلي لقبول التغيير والدخول في تجارب جديدة والانفتاح علي الآخرين. 9 امتلاك رؤية ديناميكية للزمان فالزمان متجدد باستمرار ويرتبط ذلك بتنظيم واستغلال أمثل للوقت. 10 الأخذ بالتخطيط كوسيلة ضرورية لتحقيق مشاريع مستقبلية ضمن فترة زمنية محددة. 11 الاهتمام بالاتقان ودقة التنفيذ والثقة بالنجاح من خلال الثقة في قدرة الانسان علي التحكم والسيطرة علي الطبيعة بدرجات لم تكن تخطر علي بال الانسان القديم. 12 المزيد من التعرف والكشف علي الثروات المعرفية والثقافية التي تختزنها الذات الحضارية في تراثها وتاريخها. 13 أن التفكير دائماً قبل الطاعة. 14 أن التعامل مع الماضي والتراث يكون من باب المعرفة وليس من باب الأتباع. 15 احترام الثقافات الإنسانية الأخري.. لأن الاحترام في بعُده الثقافي يؤسس القاعدة النفسية والفكرية لهضم نقاط القوة المتوفرة في تلك الثقافات، ويخطئ من يعتقد أن عالمية الثقافة تتحقق عن طريق نفي وإقصاء الثقافات الأخري والعمل علي طرد مساهمات الثقافات الأخري في الحركة الحضارية الإنسانية. 16 التلاقح والتفاعل الواعي مع الثقافات الأخري حتِي لا تكون عملية الاخصاب الثقافي طريقاً إلي هدم الأسس المعرفية التي تتكئ عليها الذات. 17 أن الدين جاء من أجل الدنيا وليس العكس. 18 أن الدين دعوة وليس امراً ونهياً حتي في أوامره ونواهيه. 19 أن الدين في نشأته كان رؤية مستقبلية ورغبة في تغيير الواقع. 20 أن التغيير الأخير لا وجود له وأن التغيير هو الثابت الوحيد. 21 أن عمل الدنيا تعميراً أو تدميراً هو اساس جزاء الآخرة. 22 التخلص من فكرة الوسيط المخلص. 23 الامتناع عن استخدام النصوص الدينية في تمرير أو ايقاف عمل سياسي. 24 الامتناع عن إصباغ العمل المدني بأي صبغة دينية. 25 الولاء والانتماء يكون دائما وقبل أي شيء للوطن . 26 أن الوطن جزء من المواطن وليس وعاء له. 27 اعتماد المنهج العلمي وسيلة للتفكير . 28 نزع صفة القداسة عن الظواهر الطبيعية والقدرات الغيبية للأشياء والأشخاص - التي تروج للتفكير البدائي الخرافي غير العلمي. 29 إن عالمنا "عالم معقول" تسوده قوانين مكتشفة واخري قيد الاكتشاف. إن هذا التحول المرجو في الثقافة المصرية قائم علي ركيزتين التعليم والاعلام: تعليم تنويري يفرز دائماً عناصر التغيير / يفعل العقلانية والنسبية / يكرس ثقافة التعددية والتنوع الخلاق وإعلام يهدف الي رفع درجة الوعي من خلال إتاحة فرص التعبير المتساوية لكل ألوان الطيف الثقافي والسياسي المصري والبعد عن مغازلة الجماهير علي حساب الحقيقة.