قد حظيت الهند بمكانة خاصة في نفسي، ولك أن تصفني بالتحيز إن شئت، غير أني أجد نفسي شديد الضعف إزاء دولة، يبلغ تعداد سكانها مليار نسمة، وتتحدث بمئة لسان مختلف، ويدين أهلها بديانات شتي، بينما أصبحت قيم الديمقراطية وتنظيم الانتخابات الدورية المنتظمة فيها، جزءاً لا يتجزأ من نمط الحياة هناك. ورغم الفقر المدقع والمتفشي بين سكان الهند، فها نحن نراهم يرفدون العالم كله بأجيال لا تنقطع من الأطباء والمهندسين، مما يساعد في جعل عالمنا أكثر إنتاجاً وسلامة. ولا أحد يستطيع أن يكابر أو ينكر التأثير السلبي الذي خلفته التفجيرات التي وقعت في الهند يوم الثلاثاء الماضي، إلا أن الحقيقة تظل كما هي، من ناحية أن الهند ليست العراق بأية حال، وأنها بلد التسامح والاستقرار. ولكل هذه القناعات مجتمعة، فإنني أثني علي هذا الحماس الذي يبديه الرئيس بوش لتعميق علاقة الشراكة بين بلاده والهند. علي أن هناك شيئاً وحيداً سأمتنع عن تأييد فعله في مساعي تعميق هذه الشراكة: المصادقة علي صفقة الأسلحة النووية التي أبرمت مؤخرا بين واشنطن ونيودلهي_ بصورتها التي تم اعتمادها. فرغم حماسي وتأييدي لابتكار كل السبل والوسائل التي تذلل انضمام الهند إلي النادي النووي الدولي، انطلاقاً من قناعتي بضرورة معاملة الهند في هذا الأمر علي نحو مختلف عما هو عليه الحال مع إيران، فإن هذا الانضمام يجب ألا يتم علي نحو يعصف بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ويطلق مجددا عنان سباق نووي محموم في منطقة جنوب آسيا. فما المشكلة ولمَ التحفظ والاعتراض؟ الإجابة أنه لم يسبق مطلقاً للهند أن وقعت علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مع العلم بأنها تشكل الإطار الدولي القانوني، الذي حصر العضوية في النادي النووي الدولي علي كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا. وعلي امتداد عدة عقود متتالية، ظلت السياسات النووية الأمريكية ثابتة إزاء امتناعها عن بيع أية تكنولوجيا نووية سلمية لأي دولة لم توقع علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وطالما أن هذه السياسة تشمل الهند بين دول أخري عديدة، فإن ذلك يعني أنه لا يجوز للهند شراء أية مفاعلات نووية من أمريكا، حتي وإن اقتصر ذلك حرفياً علي تلبية حاجاتها المدنية السلمية للطاقة النووية. ولكن الذي حدث عملياً، مع حاجة الهند الماسة لشراء التكنولوجيا النووية الأمريكية من جهة، ومع حاجة واشنطن الماسة لتطوير وبناء علاقة شراكة اقتصادية استراتيجية مع الهند، بما يضمن تحولها إلي ثقل اقتصادي جغرافي- سياسي مكافئ ومواز للصين في المنطقة الآسيوية من الجهة الأخري، فالذي حدث هو انكباب فريق بوش واستعجاله لإيجاد مخرج ما للهند، من المأزق الذي زجت نفسها فيه، لحظة إجرائها لأول اختباراتها النووية عام 1974 ووفقاً لصفقة بوش- الهند التي أبرمت مؤخراً، فستخصص الهند 14 مفاعلا من بين مفاعلاتها ال22 للأغراض السلمية، شريطة خضوعها لإجراءات السلامة والرقابة الدوليتين، تاركة بذلك الثمانية مفاعلات الأخري المتبقية، خارج الرقابة وعمليات التفتيش الدولي، مما يعني إمكانية إنتاجها لأية كميات تريدها نيودلهي من البلوتونيوم القادر علي تعبئة القنابل والأسلحة النووية. وفي المقابل فقد أصبح في مقدور الشركات الأمريكية، بيع الهند المفاعلات والتكنولوجيا النووية التي تريدها للأغراض السلمية. وعليه فلابد من القول إن هذه الصفقة مثيرة للقلق لسببين رئيسيين. أولهما أنها تقوض معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. فرغم علمنا بعدم إيمان إدارة بوش بالمعاهدات الدولية الشبيهة، وأنها تصف هذه المعاهدة تحديدا بالعجز عن لجم جماح الدول المارقة، إلا أن الذي لا يمكن تجاهله، هو أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بالذات، هي التي شكلت الإطار الدولي القانوني الذي تمكنت الولاياتالمتحدة بموجبه من بناء التحالفات التي شلت "المارقين النوويين"، وحالت بينهم وبين نشر الأسلحة النووية. أما السبب الثاني الذي يثير القلق إزاء الصفقة المذكورة، فيتلخص في أنها تعطي الهند جواز مرور مجانيا للنادي النووي، دون أدني التزام منها تجاهه! تعليقاً منه علي الصفقة الأمريكية- الهندية، قال "بوب آينهورن" -الذي عمل مسئولاً في مجال حظر انتشار الأسلحة النووية علي امتداد كافة الإدارات المتعاقبة، منذ عهد الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون- إن من شأنها أن تحرض الجارة باكستان ناهيك عن بقية الدول الآسيوية المجاورة، علي المضي في الطريق ذاته. ورغم أن الهند تتعلل بحاجتها لإنتاج المزيد من المواد النووية، كي تكون لها قوة رادعة يعول عليها في المنطقة، إلا أنه ليست ثمة ضمانات لمصداقية هذا القول، في ظل خروج الهند الحالي عن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. لذا فإن الصحيح هو الامتناع عن إكمال هذه الصفقة وتنفيذها، حتي تستعد الهند لوقف إنتاج المواد النووية الانشطارية القادرة علي صنع السلاح النووي.