رغم كثرة المطالبات من قبل الأقباط بإصدار قانون الأحوال الشخصية الموحد والمتفق عليه من جميع الطوائف المسيحية في مصر، إلا أن هناك دراسة حديثة أصدرها مركز قضايا المرأة المصرية وأعدتها الدكتورة نادية حليم تحت عنوان "قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين" كشفت عن وجود 19 مشكلة تقف أمام القانون عند تطبيقه. رصدت الدراسة هذه المشكلات في: أولا: بعض النصوص غير معبرة عن الفكر والثقافة المسيحية مثل المواد التي تناولت مسئوليات الإنفاق علي الأسرة، ومكان المعيشة. ثانيا: عدم الأخذ بمعطيات العلم في بعض النصوص مثل إثبات البنوة. ثالثا: عدم مواكبة التطورات في التشريعات العامة لا سيما ما يتعلق بسن الحضانة. رابعا: وجود العديد من المواد الفضفاضة والتي استخدمت فيها تعبيرات غير محددة، وأحيانا غير واضحة مثل "سبب مقبول" و"صالحين للزواج" والمواد التي تعرضت لقضية الجهاز. خامسا: مواد تتحدث عن أخلاق عامة أو عموميات أكثر منها نصوص قانونية أو قواعد موضوعة عما يعيق القاضي عن مراقبة تطبيق القانون مثل المواد التي استخدمت كلمة "يجب". سادسا: الأمانة في شرح تفاصيل مظاهر الزني أمر يحسب لهذا المشروع، غير أن قصر حالات التطليق علي الزني وترك الدين يجعل الأمر أكثر تعقيدا، ومع اغلاق باب تغيير الملة، يصبح الأمر شائكا ويجعله متروكا دون حلول أو مواجهات متفهمة لأسباب الشقاق الحالي، من يؤدي إلي تراكم حالات الطلاق أو الأحكام التي لا ينفذ منها سوي عدد قليل جدا. سابعا: اشتمال القانون علي مواد ضعيفة الصياغة وغير محددةة مثل المواد المتعلقة بالمهر والشبكة. ثامنا: لم يطرح هذا المشروع للمناقشة في الأوساط المسيحية، ولم يؤخذ رأي المتخصصين في مسائل الأحوال الشخصية، وربما حتي لم يسمع به أغلب المسيحيين. تاسعا: لم يقدم هذا المشروع جديدا بل زاد الأمور تعقيدا، ولم يراع البعد الاجتماعي ومتطلبات العصر الذي نعيشه بمشكلاته المعقدة وتغيراته المتسارعة، وبدلا من علاج التحايل علي مسألة تغيير الطائفة أغلق هذا الباب دون أن يحل المشكلات التي تدفع إلي هذا التحايل وهكذا فتح الباب علي مصراعيه لتغيير الدين حلا للمشكلات. عاشرا: خلا المشروع من النص علي أن يكون للمجالس الإلكيريكية المختصة بالأحوال الشخصية رأيا استشاريا تستعين به المحاكم أسوة برأي نيابة الأحوال الشخصية، وأسوة بما تطلبه المحاكم في كثير من الأحوال من رأي مفتي الديار المصرية. حادي عشر: خلال المشروع من المواد التي تتناول المواريث، رغم وجودها في مجموعة 1938، ورغم أهميتها في التعبير عن صحيح الفكر المسيحي في المساواة بين الأبناء الذكور والإناث علي السواء. ثاني عشر: رغم وجود العنف كسمة الآن في العالم كله، ورغم أنه لا يحظي بأي تأييد من أحد سواء المسيحية أو غيرها من الأديان، إلا أن وجوده لا سيما في الأسرة من الأمور الواردة والحادثة بالفعل، ورغم استجابة مجموعة 1938 لهذا الفهم المتبع منذ ما يقرب من سبع وستين سنة، ورغم كل ذلك فإن المشروع الجديد لم يتضمنه سببا للطلاق، والمفروض مع احترام قدسية الزواج والعمل علي صيانة الأسرة والإبقاء عليها ألا نغلق الباب تماما أمام هذه الأسباب سواء كانت العنف أو الايذاء أو استحكام النفور لا سيما والعلم يثبت أن هناك من الحالات التي لا يجادل فيها أحد تكون استحالة استمرار العلاقة الزوجية فيها واضحة لكل إنسان، ومن المعلوم طبيعيا أن القبول للآخر في العلاقات الحميمية تحكمه جوانب سيكولوجية لا علاقة لها بالجوانب المادية الظاهرة من قريب أو بعيد، ويمكن أن يقيد ذلك بدراسة لكل حالة علي حدة بحيث لا يكون قاعدة تطبق علي الجميع دون تثبت علمي منها. ثانيا: رصدت الدراسة عددا آخر من المشكلات متعلقة بتطبيق التشريعات المتباينة علي قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين، وهي: أن مكمن الخطورة في تطبيق المادة "6" من قانون 426 لسنة 1955، حيث تجعل هذه المادة الأحكام التشريعية الإسلامية في شئون غير المسلمين، ومادام الحديث عن زواج مسيحي فلا يمكن فصله عن عقيدة الكنيسة، وهو ما يهدف إليه القانون الموحد بأن يترك المسيحيين لكي يحكموا بشريعتهم، وقد أدي تطبيق هذه المادة إلي إعاقة الكثير من القواعد التي تضبط العلاقات وتنظمها في الشريعة المسيحية، وفرضت أوضاعا لا وجود لها في الفكر المسيحي مثل قواعد الميراث والنفقة. ترفض الكنيسة تنفيذ الأحكام القضائية التي تقضي بالطلاق لأسباب لا تتصل بعملية الزني، والمشكلة هنا أن الكنيسة ليست طرفا في النزاع حتي تمتثل لهذه الأحكام، فضلا عن أن الحكم بالطلاق لا ينطوي علي النص بضرورة منح تصريح زواج جديد لمن قام برفع الدعوي القضائية، ويظل هذا التصريح رهن موافقة الكنيسة، والسبب في ذلك هو عدم توافق هذه الأحكام مع القواعد المعمول بها في المجلس الأكليريكي، وهذا ما يتطلب ضرورة إيجاد هذا التوافق. ينص مشروع القانون الموحد وأيضا مجموعة 1938 علي "بطلان الزواج لعنة الزوج متي كانت الزوجة قد مكنته من نفسها لمدة أربعين يوما"، إلا أن ذلك التشريع موقوف العمل به إلا بعد عام لأن الشريعة الإسلامية تحدد هذه المدة. يتعطل التشريع المسيحي أيضا في حالة الحق في طلب الطلاق للضرر إذا ترك الزوج الآخر الدين المسيحي، وذلك لأن الشريعة الإسلامية تعطي الحق للرجل في الزواج من مسيحية، وبالتالي لا تعتبر المحكمة أن ضررا وقع علي الزوجة المسيحية إذا أصر الزوج الخروج علي الاحتفاظ بها. رغم أنه لا يجوز للمسيحي أن يطلق زوجته بإرادته المنفردة إلا أن تغيير الملة الذي يفتح المجال لتطبيق الشريعة الإسلامية يبطل هذا التشريع لأن المحكمة تقر حسب الشريعة الإسلامية في حق الزوج تطليق زوجته بإرادته المنفردة. في حالة إسلم الزوج فقد يرفع دعوي يطلب فيها ضم الأبناء الصغار في سن الحضانة القانوني وحرمان الأم الحاضنة منهم، وهذا فيه تعطيل للقوانين المنظمة لسن الحضانة، وإيقاع ضرر بالغ بالطفل. اان مبدأ تغيير الطائفة لا يستفيد منه إلا الزوج، فالرجل يستطيع أن يغير طائفته أو ملته ويطلق زوجته بإرادته المنفردة، وفي الوقت نفسه لا تستطيع الزوجة الاستفادة من هذا النص مما يجحف بحق المرأة ويفقدها حق المساواة والعدالة، ولا يكون أمامها إلا طريق واحد هو تغييرالدين للتخلص من سوء المعاملة، وإذا أراد الرجل الإصرار علي إذلالها فإنه يتحول إلي الإسلام ليكون ممسكا بزمام الأمور، إلا إذا لجأت المرأة لرفع دعوي تطليق للضرر، وهي ليست من الأمور السهلة، أو الالتجاء للخلع الذي يفقدها حقوقها. لماذا القانون الموحد؟ وحول أهمية وجود قانون موحد للطوائف المسيحية تؤكد الدراسة أن إجماع الطوائف الثلاث والرئاسات الدينية علي ذلك يساق له أسباب كثيرة لإبراز أهمية ذلك منها أولا وجود ارتباط قوي بين الطوائف الثلاث مما يبرز وجود هذا التشريع، ثانيا: أن وجود قانون واحد للأحوال الشخصية هو تعبير عن الوحدة المسيحية خاصة مع عدم وجود اختلافات بين الطوائف حول هذا الموضوع، ثالثا: أن تعدد اللوائح ومشروعات القوانين الخاصة بالأسرة جعل من الصعب الإلمام بقواعدها، رابعا: مواجهة المادة "6" من القانون 462 لسنة 1955، حيث إن هذه المادة تجهض مبدأ تعدد الشرائع، وتجعل غير المسلمين لا تسري عليهم شريعتهم، بل أصبح الاختصاص العام بنص هذه المادة هو للشريعة الإسلامية وهو لم يطبق قبل صدور هذا القانون، وسريان العمل بهذه المادة يقلل من القيمة التي قصدها الشارع بأن "الأحكام تصدر في نطاق النظام العام طبقا لشريعتهم"، ولهذا فإن أحد أهداف اتفاق جميع الطوائف علي قانون موحد هو مواجهة هذه المادة، خامسا: عدم ترك القضايا المسيحية دون ضابط أو رابط بين أيدي قضاة ليس لديهم دراية كافية بالأسس التي يقوم عليها التشريع المسيحي، سادسا: وضع حد لاستخدام تغيير الطائفة مبررا لتطبيق الشريعة الإسلامية ومن ثم الطلاق ووجود تفاهم بين الطوائف بحيث لا يتم التغيير دون موافقة الكنائس علي ذلك، سابعا: أن الاتفاق بين الطوائف علي قانون موحد هو في حد ذاته يعطي قوة أمام المحاكم، ويسهل علي القاضي، ويقضي علي التحايل الذي يشغله أحد أطراف العلاقة الزوجية في تغيير الملة. الحلول وضعت الدراسة من خلال استطلاع رأي عدد كبير من رجال الدين والمتخصصين عدة حلول لاجتياز الأزمات بالنسبة للأحوال الشخصية للمسيحيين، وهي: أولا: إصلاح المجالس الاكليريكية الفرعية وإعطائها صلاحياتها وأن تطور هذه المجالس نفسها، وأن يزداد عدد الكهنة العاملين في كل مجلس بما يتناسب وحجم القضايا المنظورة أمامه، مع زيادة عدد الأساقفة المختصين للتوقيع علي تصاريح الزواج. ثانيا: انتشار عدة مجالس فرعية يربط فيما بينها شبكة معلومات وأن تنعقد أكثر من مرة في الأسبوع، وأن يكون ضمن تشكيلها نخب من العلمانيين المتخصصين في علوم النفس والاجتماع. ثالثا: الإعداد الجيد للآباء والكهنة أو الدعاة العاملين في هذه المجالس تقترح الدراسة أن تعقد لهم دراسات وحلقات بحثية. رابعا: متابعة الأداء الكمني والكيفي لهذه المجالس وتصدر عنها إحصائيات ودراسات يتم وضعها في متناول يد من يحتاجها من القانونيين والدارسين. خامسا: يتم عقد دورات تدريبية ولجان في كل من الكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية، وأيضا الأرثوذكسية لتدريب المقبلين علي الزواج ورعاية المتزوجين حديثا وإعطاؤهم كل ما يفيد في بناء حياتهم الأسرية، وأن يكون اجتياز هذه الدورات شرطا لإتمام عقد الزواج. سادسا: أكدت الدراسة طرح العديد من المختصين لفكرة عقد الزواج المدني وأن رفضه البعض إلا أن الرزي الآخر أكد أنه السبيل الوحيد للخروج من المشكلات الحالية. سابعا: أهمية شرح وتدقيق الكثير من المبادئ الواردة في الكتاب المقدس، حيث يمكن أن يتسع الفهم للنص ليشمل تأويلات أخري خاصة مع وجود الكثير من القضايا التي وردت في الكتاب المقدس والتي جاءت معبرة عن قواعد عامة أو مبادئ أخلاقية أكثر منها قوانين مثل زني العين وزني القلب، والمقصود هنا تفسير يتجاوز التعريف الحرفي. ثامنا: وضع لائحة تنفيذية للمشروع المقدم يتناول ما ورد به من مفاهيم وأحكام علي النحو الذي يسمح بالتطبيق. تاسعا: أن يتدخل المشرع بإلغاء مادة 462 لسنة 1955، علي أن يحاكم الشخص حسب طائفته أثناء الزواج مهما حاول أن يغيرها بعد ذلك. وتلفت الدراسة فيما يخص هذا القانون الموحد لعام 1958 أنه قام في الأساس علي المشروع السابق عليه عام 1980 بعد دعوة البابا شنودة رؤساء الكنائس وممثليها لإعادة مناقشته وتم الاتفاق علي القانون الجديد في 146 مادة موزعة علي خمسة أبواب. وتؤكد الدراسة أن مناقشات صياغة هذا القانون كان لها رأي متفق عليه في أسس العلاقة بين الرجل والمرأة كما يعبر عنها الكتاب المقدس، وقد اعتبرت هذه النظرة المعيار الذي يحتكم إليه في مناقشة أي مادة تنتقض من هذا الفهم وهذه الرؤية، وهذه الرؤية نصت علي المساواة الكاملة بين الاثنين في القيمة والمسئوليات والواجبات، وهي نصوص لا يختلف عليها أي من الطوائف علي إطلاقها. وتشير الدراسة إلي صياغة مشروع القانون الموحد عام 1980 والمكون من 92 مادة وأنه تم عرضه علي وزير العدل إلا أنه لم يقدر له دخول البرلمان للمناقشة، وتؤكد الدراسة أنه يكاد يقترب في مجموعة مواده من مشروع قانون 1998 سواء في الخطبة أو أركان الزواج وشروطه وإجراءاته. وتؤكد الدراسة أنه مع الشبه الكبير بين المشروعين في ما يخص الزواج فإنهما يتفقان في تمام الاتفاق في شأن الطلاق حيث يشترط للطلاق أما الزني أو الجنون أو ترك الدين. وعرضت الدراسة لمجموعة اللوائح والقوانين التي تحكم الأحوال الشخصية للمسيحيين ابتداء من أول تشريع للمسيحيين في مصر عام 1902 مرورا بمجموعة قوانين عام 1938 والتي أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس، ولائحة الزواج والطلاق والبائنة الصادرة عام 1937 عند الروم الأرثوذكس، ومجموعة الأرمن الأرثوذكس الصادرة 1940 ثم المجموعة الخاصة والتي طبعت بالقدس عام 1929 للسريان الأرثوذكس، والتقنين الذي أصدره البابا شنودة عام 1990 والخاص بالقواعد للكاثوليك الشرقيين، كما عرض للائحة الطائفة البروتستاتينية يليه عرض لقانون 462 لسنة 1955.