في صباح يوم الخميس قبل الماضي 11 فبراير، وبينما كانت لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي تستعد للانعقاد في الساعة التاسعة من صباح اليوم، نشرت الصحف أن اللجان المعنية في مجلس الشوري تناقش قانونا بتأجيل انتخاب المحليات لمدة عامين بسبب أن التعديلات الدستورية المقبلة سوف تؤدي إلي تغيير قانون الإدارة المحلية، ومن ثم وجب الانتظار، وتأجيل الانتخابات، حتي تتم العملية كلها في جوانبها الدستورية والقانونية. وكما هي العادة في هذه الأمور فإن المسألة برمتها جرت بالطريقة التي تجري بها في كل مرة فاللجان القانونية والتشريعية والدستورية اجتمعت وأخذت قراراتها بسرعة مخيفة وفي ذات الساعة واللحظة وكأن الأعضاء يستعدون للموضوع منذ زمان بعيد، ومر القانون كالسكين في الزبد خلال أسبوع واحد، معطيا شعوب الدنيا دروسا في الكيفية التي يتم بها إصدار القوانين بالسرعة الواجبة. وبالتأكيد فإن صدور القانون، وبالطريقة التي تم بها الصدور، لم تكن تعبر عن بداية موفقة للحزب الوطني الديمقراطي لاستعادة مصداقيته في الشارع المصري. وفيما أعلم فإن القانون لم يتم مناقشته علي المستوي العام والعلني داخل الحزب، ومن المؤكد أن لجنة السياسات المتهمة بأنها تغير كل شيء في البلاد كانت آخر من علم بالموضوع بل إن كثيرين ممن أتوا إلي اجتماع الخميس لم يكونوا قد قرءوا صحف الصباح بعد، ومن ثم لم يعرفوا شيئا عنه. وكان واضحا أن إصدار القانون بالطريقة التي صدر بها تخالف التقاليد المرعية في أمور التعديلات الدستورية، والقوانين المتعلقة بها، فهي دائما تقرر الأمور علي أن يجري تطبيقها اعتبارا من الانتخابات القادمة، بل إنه في كثير من البلدان يتم تأجيل التطبيق لدورتين متتاليتين حتي تتم عملية التكيف العملي والإجرائي مع النظام الجديد. ومن زاوية أخري فإنه من المتصور أن تشمل التعديلات الدستورية المقبلة أمورا كثيرة في البلاد، وهذه الأمور ربما تحتاج إلي فترة أطول، ومن ثم لا يجب انتظار الكثير في انتخابات المجالس المحلية لأن شرعية هذه المجالس قد باتت موضع التساؤل. ولكن الموضوع لا يعبر فقط عن أخبار سيئة، فهناك زاوية مضيئة علي أحسن تقدير، وهي أن عملية إعادة النظر في الدستور لم تكن شعارا يخص الحملات الانتخابية، وإنما هي حقيقة جادة سوف توضع موضع التطبيق في القريب العاجل. ولما كان الأمر جدا فإن هناك حاجة ماسة ليس فقط لمراجعة المواد الدستورية المختلفة، وإنما تحديد الفلسفة والمبادئ التي سوف تقوم عليها المراجعة. ومن البديهي أن يكون المبدأ الأول للمراجعة هي أن تقود إلي دولة أكثر ديموقراطية مما هي عليه الآن. وقد يبدو ذلك من الأمور البديهية فعلا، ولكن الأمور البديهية لا تكون بديهية دوما كما يعتقد حيث إن هناك من المحترفين في القوانين والتعديلات الدستورية ما يدخل في ألاعيب الحواة، وهو ما جري خلال عملية تعديل المادة 76 الشهيرة التي لم تعد صالحة للعمل لا الديمقراطي ولا غير الديمقراطي قبل مرور عام علي التعديل وبينما كانت جماعة من الحواة تركز علي اعتبارات الجدية في الترشيح لانتخابات رئيس الجمهورية، كانت مجموعة أخري تركز علي الحصول علي أغلبية "مريحة" الثلثين من مقاعد مجلس الشعب، فيصبح من المستحيل علي جميع الأحزاب والقوي السياسية والمستقلين ترشيح مرشح واحد للانتخابات التنافسية التي لن يوجد فيها متنافس واحد. مثل ذلك لا ينبغي له أن يتكرر مرة أخري، ولذا فإن الأمر يحتاج إلي قدر كبير من الحصافة والروية ومراجعة الأمور من زاوية المصالح العامة ليس فقط فيما يتعلق بالحاضر الراهن، وإنما أيضا في المستقبل البعيد. ولعل ذلك يضيف سببا آخر إلي ضرورة النظر في الدستور باعتباره جسدا سياسيا واحدا، وليس مجموعة من الأجساد التي يمكن النظر إليها واحدة بعد الأخري كما يبدو أن النية متجهة. فيجري النظر كما ورد في خطاب الرئيس في جوانب الإدارة المحلية، ثم بعد ذلك الجوانب القضائية، وتلك المتعلقة بقانون الطوارئ، ثم المرأة، والتوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية، وتوزيع السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. مثل ذلك سوف يكون خطأ فاحشا، وقد يكون حاجة ماسة بالفعل للتعجيل بإعادة النظر في المادة 76، ولكن مثل ذلك يمكن أن يكون بصورة مؤقتة حتي تتم مراجعة الدستور كله. ولعله من المعروف أن عمليات التعديل الجزئية قد تكون مغرية لأنها تتقدم خطوة خطوة، وتعطي شعورا بالإنجاز المتتالي، وتجعل القضايا أقل خلافية، وربما يمكن تأجيل القضايا الأكثر خلافية حتي نهاية عمليات التعديل. ولكن مثل هذا المشهد سوف يعفي الجميع من الرؤية الشاملة، وفي الأغلب فإن اليد اليسري لن تعرف شيئا عما تفعله اليد اليمني كما حدث من قبل. وتكون النتيجة في النهاية دستورا متناقضا متخلفا مضطربا لا يختلف كثيرا عن الدستور الحالي. ومن المؤكد أن النظرة الشاملة، والمراجعة الشاملة، سوف تعفي هؤلاء المتمسكين بالدستور الحالي بسبب ما يحميه من حقوق الأفراد والجماعات، لأنه سوف يمكن توقيعها في ظل دستور أكثر ليبرالية وديمقراطية ومن ثم لا ترد حقوق يمكن شلها جميعا عن طريق قانون للطوارئ يجعل الطوارئ حالة دائمة وليس حالة طارئة فعلا!.