وقف الاستاذ مستقبل متأملا ومفكرا فتخيلت انه يبحث عن حل لمشكلة الشرق الأوسط ودارفور ولبنان وبغداد وفلسطين.. لقد كان الرجل مستغرقا وضاربا ببصره في الافق البعيد. بعد ان وقفت لبعض الوقت انتظر ليشعر بوجودي اقتربت منه بحذر وهدوء ولكنه لم ينتبه لي ولم يشعر باقترابي منه اضطررت علي ان انادي عليه يا استاذ مستقبل التفت لي بعد المرة الثالثة التي ناديته فيها مرحبا بي ومازال علي وجهه تعبيرات التأمل والاستغراق إيه يا استاذ مستقبل سرحانا في إيه بادرته بالقول أراك واقفا في الشارع سرحان واخشي عليك من السيارات ملاكي كانت أو اجرة أتوبيسات أم ميكروباصات أو حتي توك توك واخوانه.. رفع الاستاذ مستقبل حاجبيه الي اعلي وقال غريبة قلت لا غريب الا الشيطان ما الغرابة فيمااقول؟ قال الاستاذ مستقبل وهو يضع يديه علي كتفي كيف عرفت ما انا مستغرق فيه وحائر قلت حقيقة لا اعرف ما يحيرك فقط اندهش من وقفتك في الشارع. شاردا هكذا.. قال اني حائر وغضبان ولا افهم ما صار اليه امر شوارعنا من فوضي مرورية زحام في كل مكان واصوات آلات التنبيه التي تنطلق من السيارات تختلط بأصوات الناس وكل قائد لسيارة يريد ان يكون الشارع له وحده تأمل سيارات الاسعاف تلك التي تطلق السرينة العالية التي تسمعها ولا احد يريد ان يفسح لها الطريق وتخيل معي ان بها مريضا ترتبط حياته بالدقائق وليس بالساعات قلت له يا استاذ مستقبل الاعمار بيد الله فرد علي بحدة ونعمة بالله ولكن هل أمرنا الله بهذه الفوضي التي تراها في الشارع لماذا نلقي علي القدر بأخطائنا إنما هي من صنع ايدينا وبينما نحن نتجاذب اطراف الحديث اقترب منا رجل كان يتسمع الينا قائلا: ألم اقل لك يا استاذ مستقبل ان أيام الزمن الجميل قد ولت وصاح كلانا عندما جاء هذا القادم لقد عرفناه انه عم ماضي مرحبا به ولكنه لم يلتفت لترحيبا واستكمل كلامه تعرفون ما كانت عليه الشوارع أيامي وما كانت عليه سلوكيات السيارات وقائديها وما كانت عليها الشوارع واحوالها واعذروني اذا قلت لكم ان أيام الزمن الجميل قد اخذتها معي وأنا الملم أوراقي .. فأنبري له الاستاذ مستقبل وقال سماحك الله يا عم ماضي كم كان السكان علي ايامك وكم اصبحوا الآن كم "كوبري" وكم نفقا وكم طريقا تم تمهيده وكم محورا تم شقه وتعبيده وكم وكم وكم يا عم ماضي نحن في زمن مختلف وبكل المقاييس لقد اصبحنا اليوم افضل مما كنا.. فرد عم ماضي كيف تقول هذا قل لي بربك كم تسيل من دماء علي الاسفلت وكم تذهب من الارواح انكم تقولون ان ما فقدتموه بسبب حوادث الطرق قد يفوق من استشهدوا في الحروب التي خضناها وماذا افادتكم تلك الكباري وتلك الطرق وهذه السيارات والاتوبيسات والميكروباصات والمتروهات وهذا الكل وسط هذا الزحام في كل شيء في الشارع والمدرسة انك تقول انكم الآن افضل وانا أري ذلك قول يحتاج الي دليل واستنتاج قد اراه مستعصيا.. يا عم ماضي انك حبيس ايامك كانت ظروفك مختلفة وكان وقتك مختلفا ولو شهدت ما شهدناه الآن وما سوف نشهده في المستقبل لقلت بصدق كان الله في عونكم وبدلا من ان تلقي علينا باللائمة قل لنا بخبراتك وتجربتك كيف الخروج مما نحن فيه؟ قل لي بربك عم ماضي ماذا جنينا؟ وفيم قصرنا؟ تنهد عم ماضي واتجه الينا ببصره قائلا هل سنظل واقفين هكذا واشار الي مقهي بالقرب منا وهو يتجه اليه قائلين لنا دعونا نجلس في هذا المقهي لا رد علي اسئلتكما ان كنتما صادقين في معرفة ما تسألان عنه.. اتاهنا سويا ثلاثتنا الي المقهي ولكننا لم نجد لانفسنا ترابيزة وثلاثة كراسي خالية وعندما ابصرنا عامل المقهي حائرين نبحث عن مكان لنا قام بخفة وسرعة والابتسامة تعلو وجهه بوضع ترابيزة لنا علي الرصيف وثلاثة من الكراسي قائلا لنا اتفضلوا يا بهوات وبينما نحن نهم بالجلوس همس عم ماضي هكذا عدنا الي الرصيف مرة اخري فرد عليه الاستاذ مستقبل دعك يا عم ماضي من هذه الفلسفة واجبنا عم سألتك عنه ولم يترك عامل المقهي الفرصة لكي نستكمل الحوار وبادرنا تشربوا ايه يا بهوات فطلب كل منا ما يريده واتجهنا بأبصارنا واسماعنا الي عم ماضي متطلعين الي حكمته وخبرته في ان يضع ايدينا علي علاج ناجع لما صارت اليه شوارعنا وهنا قال عم ماضي هل تريدون ان تعرفوا الحل بصدق هل انتم جاهزون لسماع الحقيقة؟ وهل تقدرون علي العمل بموجبها؟ قلنا في نفس واحد يا عم ماضي دعك من هذه المقدمات وادخل في الموضوع قال الرجل وهو يرسم بيديه في الفضاء شكل مثلث به اضلاع ثلاثة متساوية تخيلوا معي هذا المثلث ان فيه المشكلة وفيه الحل.. قاعدة هذه المثلث تطرح عليكم سؤالا .. السؤال الأول لقد اهتممتم بكل شيء كما قلتم بالكباري والانفاق والطرق والمحاور وجلبتم كل انواع المركبات من كل بقاع الارض امريكي وألماني وصيني وتركي ولكن هل اهتممتم بالناس والبشر سلوكياتهم وانضباطهم وهل طبقتم القوانين علي الجميع قاصيهم ودانيهم كبيرهم وصغيرهم هل جعلتم الناس فعلا أمام القانون سواء؟ السؤال الثاني: هو الضلع الثاني في هذا المثلث.. هل القوانين والنظم التي تضبط الشارع عندكم رادعة بما فيه الكفاية؟ يا سادة بمثل القوانين الذي لديكم لن ينضبط شارع ولن يستقيم امر ثم عسكري المرور هذا التي تلقونه في الشارع بلا حول ولا قوة راتبا ضئيلا وحالته لا تسر الحبيب ماذا يصنع لقد القيتموه في اليم وقلتم له اياك ان تبتل بالماء. والسؤال الثالث: الذي يمثل الضلع الثالث في هذا المثلث هل اقمت علاقة صحية بين عدد المركبات وسعة الشوارع انكم تلقون كل يوم بالمزيد من السيارات والمركبات وحولتم شوارعكم الي جراجات فأين تسير المركبات. اذا أردتم الحل فابحثوا عن اجابة صادقة لهذه الاسئلة الثلاثة وضعوا هذا المثلث امام اعينكم.. ولم يترك لنا عم ماضي فرصة للنقاش وتركنا وانصرف.