استبدت الدهشة بالأمريكيين عند سماعهم التقارير الإخبارية الأخيرة التي تحدثت عن إقدام رئيس مفرط في حماسته علي إساءة استخدام السلطات الممنوحة له. لقد غدا واضحا أن الإدارة الأمريكية الحالية قد تورطت في سلسلة انتهاكات منتظمة ضد دستورنا وضد شعب بلادنا الملتزم بقوانين هذا البلد. تملكتنا أيضاً الدهشة عند سماعنا تقارير تفيد بقيام وزارة الدفاع بتجميع معلومات وتأسيس قاعدة معلومات للتجسس علي مواطنين أمريكيين عاديين تمثلت خطيئتهم الوحيدة في ممارسة حق التجمهر السلمي كما هو منصوص عليه في التعديل الأول للدستور الأمريكي. إن هؤلاء الأمريكيين الذين اختاروا مساءلة السياسة الأمريكية المعيبة في العراق تنعتهم الإدارة الأمريكية الحالية ب "الإرهابيين المحليين". نحن نعلم الآن أن نسبة استخدام مكتب التحقيقات الفيدرالي للخطابات الصادرة عن وكالة الأمن القومي بشأن المواطنين الأمريكيين قد زادت بنحو مئة ضعف، وهو الإجراء الذي يتطلب وجود عشرات الألوف من الأفراد لاستخلاص ونقل معلومات وسجلات هؤلاء الأشخاص الواردة. والثابت في هذا الصدد أن تلك الخطابات تصدر من دون أي تصريح قضائي مسبق. وقد صُدمنا كذلك عندما علمنا من خلال التقارير الإخبارية بممارسات "سي آي إيه" المتعلقة بما يطلق عليه اسم "المواقع السوداء" والمواقع السرية الموجودة في البلدان الأجنبية التي تشهد انتهاكات في عمليات الاستجواب تحايلا علي القوانين الأمريكية التي تكرس حقوق الإنسان. ونحن نعلم أن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني قد طالب بإعفاء "سي آي إيه" من الالتزام بما جاء في "تعديل مكين" الذي يحظر المعاملة الوحشية وغير الإنسانية والمهينة للمعتقلين. والحمد لله رفض الكونجرس الطلب. والآن يأتي ذلك الكشف الذي يصيب بالغثيان والذي يأتي في صورة قرار تنفيذي من جانب الرئيس. فقد تحايل الرئيس بوش علي الكونجرس وعلي محاكم الدولة واغتصب مسؤوليات الفرع الثالث للحكومة، وهو الفرع المنوط به حماية الحريات المدنية للشعب، عندما أمر وكالة الأمن القومي بالتنصت علي المكالمات الهاتفية ورصد الرسائل الإلكترونية الخاصة بالمواطنين الأمريكيين وذلك من دون تصريح قانوني،. وهو الإجراء الذي يخالف بوضوح التعديل الرابع من الدستور الأمريكي. وجاء هذا الأمر التنفيذي، والذي اعترف الرئيس نفسه بإصداره، ليسمح بمراقبة المراسلات والاتصالات الخاصة بأي شخص يقيم علي الأراضي الأمريكية وذلك من دون موافقة محكمة رقابة الاستخبارات الأجنبية. إن الكونجرس قد وفر كل ما يقوم الرئيس باستغلاله الآن بشكل به مخالفة صارخة للقانون. فتلك المحكمة الموجودة في وزارة العدل من المفترض أن تقوم بمراجعة طلبات التصريح بالمراقبة الداخلية. ويمكنها مراجعة تلك الطلبات بشكل عاجل في حالة الضرورة القصوي. وفي الحالات الملحة بشكل كبير والتي يشكل فيها عنصر الوقت أمراً حيوياً ويكون فيها الأمن القومي للبلاد معرضا للخطر، يمكن أن تتم المراقبة حتي قبل أن يتم التقدم بطلب المراقبة. لقد أنشئت تلك المحكمة السرية حتي يتسني القيام بعمليات المراقبة الحساسة وحتي يمكن جمع المعلومات بشكل لا يخل بأمن وقانونية عملية التحقيق. فالغرض من تلك المحكمة هو إيجاد توازن بين دور الحكومة في محاربة الإرهاب وبين الحقوق الواردة في التعديل الرابع في الدستور والممنوحة لكل المواطنين. إن الشعب الأمريكي لم يصله من الرئيس إلا تطمينات غامضة لا تُسمن ولا تغني من جوع ولا تتعدي أكثر من عبارة "ثقوا بي". ولكننا دولة قوانين ولسنا دولة رجال. أين هو مصدر تلك السلطة التي يدعيها الرئيس؟ إنني أتحدي هذه الإدارة أن تعثر علي أي فقرة في قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية أو في الدستور الأمريكي تتيح لها التلصص علي حياة الأبرياء من المواطنين الأمريكيين والتجسس عليهم. وعندما سُئلتْ أخيرا عن مصدر تلك السلطة، لم تكن لدي وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أي إجابة. وبدت الوزيرة وهي تحاول الإيحاء بأن التنصت علي الأمريكيين أمر مقبول لأن قانون محكمة الرقابة علي الاستخبارات الخارجية هو قانون بال وعتيق لا يتلاءم مع احتياجات الحكومة في حربها الجديدة علي الإرهاب، علي حد تعبيرها. هذا هراء واضح تستحق عليه براءة اختراع. لقد وسع قانون مكافحة الإرهاب من سلطة تلك المحكمة بشدة ومد الحكومة بالأدوات التي تحتاجها في مكافحة الإرهاب. وقد أُضيفت تعديلات أخري إلي قانون تلك المحكمة بموجب قانون تفويض الاستخبارات لعام 2002 وقانون الأمن القومي لعام 2002 أيضا. وحقيقة الأمر تشير إلا أن لجنة الحادي عشر من سبتمبر في تقريرها النهائي أفادت بأن إزالة "الحاجز" الذي كان موجودا قبل أحداث سبتمبر بين مسؤولي الاستخبارات وجهات تنفيذ القوانين كان لها أثر مهم تمثل في أنها "فتحت آفاقاً جديدة للعمل التعاوني". و يدّعي الرئيس أن تلك السلطات تدخل في مهام دوره كقائد أعلي للقوات المسلحة. وهنا لا يجب خلط الأوراق: إن السلطات الممنوحة للقائد الأعلي هي نفسها الممنوحة لرئيس أركان القوات المسلحة. كما أن أعمال البحث والمراقبة غير المصرح بها تلك ليست موجهة ضد قوة أجنبية، وإنما هي موجهة ضد مواطنين أمريكيين لا يعلمون شيئا ولا يشكون في شيء. إنها أعمال موجهة ضد أفراد يعيشون علي الأراضي الأمريكية وليس علي الأراضي الأفغانية أو العراقية. لا يوجد في سلطات القائد الأعلي ما يتيح لرئيس البلاد القدرة علي القيام بمراقبة المدنيين الأمريكيين. يجب علينا ألا ندع لتلك الإدعاءات التي ليس لها أي أساس من الصحة مكانا بيننا. إن الرئيس يدّعي سلطة مطلقة من خلال القرار الذي سمح له بشن الحرب علي هؤلاء الذين قاموا بهجمات الحادي عشر من سبتمبر. غير أن هذا القرار لم يمنحه سلطة مطلقة كي يتجسس علي شعبنا؛ هذا القرار لا يمنح الإدارة سلطة إنشاء معتقلات سرية لسجناء سريين؛ هذا القرار لا يجيز تعذيب السجناء من أجل الحصول علي معلومات منهم بشكل قسري. هذا القرار لا يجيز إدارة سجون سرية في بلدان أجنبية من أجل التحايل علي القانون الأمريكي؛ هذا القانون لا يمنح الرئيس السلطات الممنوحة فقط للملوك. من المفترض أن نتقبل تلك الأسرار الصغيرة القذرة! يقال لنا إنه أمر ينم عن عدم المسؤولية أن نُلقي الضوء علي الانتهاك الدستوري الذي قام به الرئيس بوش. غير أنه أمر غير مسؤول بالفعل أن نهمل دعم وتكريس حكم القانون. لقد استمعنا إلي خطاب الرئيس الذي قال فيه إننا نريد أن نزرع الديمقراطية في نفوس الشعب العراقي. إنه يقول ذلك في الوقت الذي يقوم فيه هو بانتهاك قوانيننا الأمريكية! إن عمليات التجسس علي المواطنين الأمريكيين يجب أن تتوقف علي الفور. ويجب أن تقام جلسات استماع حول ما جري. وربما ينبغي أن يكون هناك إجراء قضائي. نحن بحاجة إلي أن نحصل علي إجابات علي الأسئلة الموجودة لدينا: أين تلك السلطة الدستورية والقانونية التي تجيز التجسس علي المواطنين الأمريكيين؟ ما هو فحوي تلك الآراء القانونية السرية التي تؤكد أن هذا الاغتصاب الإجرامي للحقوق مسموح به قانونا؟ من هو المسؤول عن تلك السياسة غير الدستورية والخطيرة؟ وكم هو عدد المواطنين الأمريكيين الذين تأثرت حياتهم من غير علم من جراء هذا التجسس؟