أثار قذف صحفى عراقى حذاءه باتجاه الرئيس الأمريكى، خلال المؤتمر الصحفى للأخير مع رئيس الوزراء نورى المالكى، ردود أفعال واسعة فى العالم العربى، أجمع معظمها من جهة على بطولية العمل وتعبيره الجلى عن مأساة العراق منذ الغزو الأمريكى 2003، والانتهاكات المتتالية لقوات الاحتلال، وأظهر من جهة أخرى فرحةً طاغيةً على مستوى الشارع العربى بإهانة بوش وإعطائه الوداع الذى يستحق، الاحتقار. كما سارت شريحة عريضة من المشتغلين فى الإعلام العربى المكتوب والمرئى والمسموع على الدرب ذاته، مصورةً الصحفى منتظر الزيدى كبطل عراقى انتظره عالمنا طويلاً، مارس بالإقدام على فعلة الحذاء عملاً مقاوماً عظيماً، أسقط به هيبة بوش، بل هيبة الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط والعالم. أسمح لنفسى بأن أُنحّى مثل هذه المبالغات اللفظية الفارغة من المضمون جانباً، لأطرح القضية التى أراها مركزية حين يتم التعامل مع حادثة قذف الحذاء. فعلى الرغم من إدراكى التام لمأساة العراقيين، بل إن جاز لى القول معاناتى الشخصية معهم، كأى عربى يشعر بالألم لما حدث ويحدث فى بلد عربى شقيق، أو كإنسان يرفض الظلم ويثور عليه، وعلى الرغم أيضاً من إدانتى للخطيئة الكبرى التى ارتكبتها إدارة بوش بغزو العراق، وسلسلة الأخطاء الفادحة التى تورطت فيها بعد الاحتلال.. فإننى لا أشعر بأى تعاطف مع فعلة قذف الحذاء أو مع من قام بها، ولى فى هذا أسباب ثلاثة: 1 الاعتداء أو محاولة الاعتداء على السلامة الجسدية لأى إنسان كائناً من كان، هو عمل مدان لا يمكن تبريره.. نعم ترأس جورج بوش واحدة من أسوأ الإدارات الأمريكية فى التاريخ المعاصر، إدارة اختزلت السياسة الخارجية للقوة العظمى فى استخدام الآلة العسكرية وتجاهلت قواعد القانون الدولى بغزوها العراق، وانتهكت حقوق الإنسان هناك وفى مواقع أخرى (جوانتانامو).. إلا أن كل هذا وعلى بشاعته، لا يعطى أخلاقياً ولا سياسياً، المتضررين من ممارسات بوش، وهم كثر، الحق فى المساس بسلامته الجسدية أو الاعتداء على كرامته كإنسان. تدان فعلة قذف الحذاء إذن لكونها تتعارض بوضوح مع مضامين حقوق الإنسان وحتمية احترامها، أيضاً بكل تأكيد حين يتعلق الأمر برئيس أمريكى يتحمل مسؤولية فظائع عديدة. 2 تشكل حقيقة أن صحفياً هو من قام بفعلة قذف الحذاء سبباً ثانياً لرفضها. أدوات الصحفى حين يواجه الرسميين من ممثلى الحكومات، إن كان فى مؤتمرات صحفية أو فى لقاءات عامة، هى طرح التساؤلات والمتابعة والمحاججة والاعتراض اللفظى. أما لجوء الصحفى للعنف أو التلويح به، حتى وإن كان بأفعال رمزية، فتدينه كل المواثيق الصحفية التى تطالب فى الوقت ذاته الحكومات وممثليها بالتزام السلمية حين يتم التعامل مع الصحفيين. خرق منتظر الزيدى بفعلته الطابع السلمى للعمل الصحفى، فأساء لنفسه، وبصورة غير مباشرة، لمهنته وللممتهنين بها. 3 لا تقدم مثل أفعال العنف هذه، رمزية كانت أو جسدية، لقضايانا الحقيقية الشىء الكثير. أثرها الوحيد هو التنفيس المؤقت عن حالة الاستهجان والرفض الشعبى الممتدة بامتداد الشارع العربى، بل إن فى الانتشاء بها وصناعة هالة بطولية زائفة حولها تغييباً لحتمية إعمال العقل، والتدبر فى كيفية مواجهة تحديات الوجود الأمريكى فى العراق، ورداءة سياسات القوة العظمى فى عموم عالمنا.