البعض أرجع ما حدث إلي حالة الفراغ التي يعيشها عدد من رجال الدين وانشغالهم بقضايا بعيدة عن رسالتهم الحقيقية في تنوير المجتمع وتوعيته بأصول ومبادئ الدين الحنيف، فيما وصف آخرون ما حدث بأنها الرغبة اليائسة في مداهنة التيار الديني المتشدد، بعد نجاحه في الاقتراب من السلطة، عقب نجاحه في حصر الأصوات التي أتاحت لرجاله الوصول إلي مجلس الشعب. أما جموع الفنانين والمبدعين فقد اعتبروا ما حدث ردة، ومحاولة مرفوضة للحجر علي الإبداع ومصادرة الفكر باسم الدين. ففي أعقاب عرض فيلم "ويجا" تأليف وإخراج خالد يوسف خرجت بعض الأصوات التي تهدد وتتوعد وتطالب بإيقاف عرض الفيلم بحجة أنه يسيء للإسلام ويروج لأفكار علمانية حسب ما جاء في حديث د. نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية وانصب الهجوم، الذي قاده عدد من أعضاء المجمع بالإضافة إلي بعض العلماء، علي مشهد في الفيلم ترتدي فيه منة شلبي التي تؤدي دور "مريم" الخمار لتتمكن من دخول الحارة الشعبية التي يسكن فيها فتاها، وعندما تصل إلي شقته تخلع الخمار، وتختلي به الأمر الذي رأي فيه أعضاء المجمع والعلماء استهانة بالدين الإسلامي، وإهانة لرمزه المتمثل في الخمار، وبلغ الغضب ذروته بمطالبة د. نصر واصل بضرورة عرض الأعمال الفنية والأدبية علي الأزهر قبل إجازتها (بحجة مراجعتها)، وهو الأمر الذي يمثل انتكاسة وعودة للوراء وإحياء لطقوس "محاكم التفتيش" وتكريس هيمنة المؤسسة الدينية علي المجتمع، واحتكار "صكوك الغفران"، خصوصا أن الاحتجاج تجاوز كل حد بمطالبة أحد العلماء بضرورة إعلان الممثلة "المسلمة" وبالطبع الممثل المسلم رفض أي دور يعرض عليها إذا توجست منه خيفة، وتصورت أنه يحمل إساءة للدين الإسلامي، ولم يتحرج الأستاذ الفاضل من إلقاء اللائمة علي منة شلبي شخصيا لأنها لم ترفض الدور عندما علمت أنها سترتدي فيه الخمار وتسيء من خلاله علي حد قوله للإسلام. ولأن الأمر جد خطير، سواء من حيث المطالبة بضرورة عرض الأعمال الفنية والأدبية علي الأزهر، بما يمثله هذا من انتزاع صريح للسلطات المخولة للرقابة وحدها، أو تحريض الممثلين علي أن يتركوا مهمتهم الحقيقية ليتقمصوا أدوار الرقباء والعلماء.. والمخبرين، وينقبوا في أوراق الأعمال الفنية المعروضة عليهم للبحث عما يحتمل أن يمثل إساءة للدين كل حسب وعيه وثقافته. من هنا كانت وقفتنا لنرصد فيها ردات أفعال الفنانين والمبدعين ورئيس الرقابة، بالإضافة للمخرج خالد يوسف الذي فجر الأزمة عبر المشهد الذي كتبه بنفسه في سيناريو "ويجا" واتهم بسببه بالترويج للأفكار العلمانية!!