في محاولتنا للبحث عن إجابه عن ما حدث للإنسان المصري والشخصيه المصريه دعنا نلقي نظره علي التيارات الثلاث التي أثرت ومازالت تؤثر بشكل فعال علي فكر وتوجهات الإنسان المصري اليوم وعلي كيفية رؤيتها للهويه المصريه التيار الديني خمسة آلاف عاما عاشها الإنسان المصري وهويتقرب إلي الله ويبحث عنه في خلقه وفي رسالاته التي إما ولدت أوأحتمت أونضجت في مصر. منذ خط أول برديه وحتي الآن يبتهل الإنسان المصري للخالق يرجوعفوه ويطلب رضاؤه ونعمته، يحفظ الدين في القلوب ويحميه بالصدور من عهد أخناتون أول الموحدين إلي وقوف الأقباط في وجه الرومان وتمسكهم بعقيدتهم، إلي مواجهة التتار والصليبيين .. سلسله متصله يقف خلفها الإنسان المصري ليس فقط بما لديه من قوه ولكن، وهذا هوالأهم، بما لديه من فكر وقيم وحضاره خاصه به ممتده منذ الأزل وحتي اليوم من أناشيد أخناتون "ما أكثر تعدد أعمالك، إنها علي الناس خافيه، يا أيها الإله الواحد " إلي الكنيسه القبطيه إلي الإسلام السمح تنصهر الأفكار والمعتقدات داخل بوتقة الإنسان المصري التي يزيدها عمقا ويستخلص منها ما يرقي بها وبه وينشر نور أفكاره علي الدنيا بأسرها منذ مائة عام الإ قليلا وقف الأزهريون يخطبون في الكنيسه القبطيه ووقف القساوسه يخطبون في الأزهر وفي قلب كل واحد منهم هم واحد وكلمه واحده "مصر" .. هل يمكن أن يحدث هذا الآن ؟ هل سيتقبله المصريون علي إختلاف دياناتهم بالحفاوه وبمشاعر التوحد الصادقه التي كانت موجوده منذ مائة عام ؟ أشك يبدوأننا أبتعدنا كثيرا عن الطريق الصحيح ويبدوأننا أيضا أصبحنا متلقين للفكر بعد أن كنا منتجين له بما فيه الفكر الديني، تلقينا وتقبلنا التيار الديني العنيف : أفكارا تعتبر أثارنا أصناما، تلخص حضارتنا القديمه في قصتين : فرعون مصر وأمرأة العزيز ( الغريب في الأمران الجانب الخير في القصتين من بني إسرائيل)، ترفض الإنتماء لمصر وتفضل عليها الإنتماء لدولة الخلافه التي لا يعلم أحد ملامحها ولا أين توجد تلبسنا الجلباب الباكستاني لكي توضح وتفرض التمايز فيمكننا الآن أن نعرف المسلم من القبطي، وأصبح بعضنا يرفض صفة قبطي ويفضل عليها مسيحي لأن قبطي تعني مصري وهي بذلك تجمع المسلم والمسيحي وهوأيضا يريد أن يوضح التمايز، أصبح القبطي منغلقا علي نفسه شديد الحساسيه لأي موضوع يمسه ويفضل البقاء في الظل أما في السنوات العشر الأخيره فقد بدأ يظهر التيار الديني "اللطيف" بديلا للتيار الديني العنيف الذي يبدوا وانه أستنفذ أغراضه، التيار الديني اللطيف شيك وظريف ويخاطب شريحه هي أيضا شيك ولطيفه من الفنانين التائبين والملتزمين وأعضاء النوادي ومن الطبقات المرتاحه ماديا والخاويه سياسيا وفكريا، ويتنقل هذا التيار كالفراشه بين الدين والدنيا، يكتشف مطربين ويمول فيديوكليبات جميله، يتحدث ويشجع علي البزنس والمشروعات الصغيره ويبني مدارس إسلاميه فاخره باهظة التكاليف تدرس المنهج الدراسي الأمريكي مع منهج أخلاق خليجي (كويتي)، ويبدوأن هذه المدارس تعد جيلا لطيفا خاصا منفصلا عن بقية المصريين، وفي نفس الوقت مالكا لأدوات الأتصال بأمريكا !!! في المقابل عرفت إحدي السيدات نفسها في برنامج تليفزيوني بأنها فلانه الفلانيه (اسمها مصري صميم لا يوضح الديانه ) أتبعته بأنها خريجة مدارس الأحد !!! وهكذا سيصبح جزءا منا خريج مدارس الأحد والجزء الآخر خريج مدارس الجمعه خلاصة القول أن التيارات والأفكار الدينيه الحاليه تحاول مسح خمسة آلاف عاما من تاريخ الإنسان المصري لتصبح هويته الإسلاميه أوالمسيحيه بديلا عن الهويه المصريه (القبطيه) التيار الديكتاتوري البيروقراطي مثل جبال الثلج الغاطسه التي تعوق وتحطم قوارب النجاه يعمل هذا التيار علي عرقلة كل محاولة للتقدم والنمو، كما يعمل أيضا علي خنق وكبت طاقات وإبداعات الأنسان المصري وتبدولحظة اختلاف ثوار 23 يوليوعلي إختيار الديمقراطيه أم الديكتاتوريه كنظام للحكم فارقه في تاريخنا الحديث فقد انحاز أغلبية الثوار أوأكثرهم قوة وتأثيرا إلي الديكتاتوريه وهكذا بدأت جبال الثلج في التكون فقد سارت المظاهرات تلعن الديمقراطيه والحريه وترحب بالديكتاتوريه الثوريه وتم الإعتداء علي السنهوري في مجلس الدوله ثم مذبحة القضاء، مذبحة أساتذة الجامعه، التأميم، تأميم الصحف وإستضافة أصحاب الرأي في المتعقلات والسجون لقد تحول الجهاز التنفيذي للدوله إلي ديناصور كبير وعتيق يلتهم كل مخالف ويفرض سلوك القطيع، تعليم متحجر، وظائف حكوميه محدده، لا وجود لقطاع خاص، لا مجال لرأي مخالف . "كل عيش" هي النصيحة المثلي، الطاعة للمدرس ورئيس العمل هي طوق النجاه، إغلاق الفم هونور الحكمة، ببساطة فلتكن سلبيا منافقا ولتحتفظ بآرائك لنفسك والأفضل الأ يكون لك رأي حتي يمكنك العيش داخل النظام. منذ أوائل الخمسينات حتي أوائل السبعينات تتضخم جبال الجليد لتسد قنوات التعليم والثقافه والحريه، ويتضخم معها الرقيب الذي أصبح يسكن داخل كل منا . فتحت دعاوي "حماية الثوره" ثم "حماية مكتسبات قوي الشعب العامل" ثم "لا صوت يعلوعلي صوت المعركه" تم تكبيل الإنسان المصري هذا التحالف بين الكتاتوريه والبيروقراطيه، والذي أتجه في الأساس لتدمير الطبقه الوسطي المصريه تحت دعاوي الأنحياز للطبقات الفقيره، أصاب الأنسان المصري بجروح عميقه أثرت سلبيا علي ثقته بنفسه وعلي ميله الفطري للأبتكار والحريه والإبداع وأظهر طبقات جديده تقود المجتمع إلي الإنهيار التيار القومي الأقليم الجنوبي للجمهوريه العربيه المتحده، الأتحاد الأشتراكي العربي، تغيير العلم، التليفزيون العربي، حتي فريق الكره أصبح بقدرة قادر المنتخب القومي أغاني تحرض المصريين علي تغيير وإحتقار زيهم الوطني، عملية سلخ وتغيير للجلد وكأن أسم مصر أصبح عوره وكأن تاريخها بدأ في الخمسينات، كل هذا لصالح تيار القوميه العربيه، شعار فضفاض أجوف دخلنا بسببه حروب ومولنا ثورات وأستنفذنا طاقات الشعب المصري في محاربة طواحين الهواء ويبدوأن الشعار كان هاما ليكفل أستقرار وأستمرار مرحلة الأحلام الرائعه وتوجه يؤله الأشخاص علي الرغم من الأنكسار علي أرض الواقع والذي تحول إلي كابوس لا يزال يجثم علي صدورنا، أصبح بعض المصريين كالمجاذيب يولولون ويلطمون علي شعار القوميه العربيه، يريدون أستمرار الحلم العربي ولوعلي أشلاء مصر "فلتستمر الشقيقه الكبري في العطاء حتي الموت حتي لوجحدها من تعتقد أنهم الأشقاء" تفكير مازوخي غريب الغريب في الأمر أن التيار الديني والتيار القومي بدأوا في التحالف وأصدروا بيانا هلاميا بعد اجتماع تم في بيروت ينددوا ويشجبوا ويحذروا ويؤيدوا وقد يكون مفيدا في هذا الصدد طرح أوجه التشابه الشديد بين التيارين الذين كنا نظن حتي وقت قريب أنهما متضادين ومتنافرين الإصرار علي طمس الهويه المصريه واستبدالها بشعارات جوفاء يستخدم التيارين شعارات فضفاضه رنانه تستطيع بها أن تجمع الجماهير وأيضا أن تعاقب وترهب المخالفين، شعارات مثل "الإسلام هوالحل" "القوميه العربيه هي الحل" "انكار معلوم من الدين بالضروره" "الخروج علي ثوابت الأمه" "لا صوت يعلوعلي صوت المعركه" "لا تجادل" تكفير أوتخوين أي ناقد للشعارات السابقه أوأسلوب العمل علي تحقيقها "الغير محدد المعالم من الأساس" استعداء الدوله علي المعارضين بأستخدام قوانين الحسبه أوالقيام بقتلهم اتباع الدكتاتوريه والمناداه بالديمقراطيه الولوله الدائمه ولطم الخدود علي حالنا دون طرح حلولهم وبرامحهم للمستقبل وهكذا ونحن في أوائل القرن الواحد والعشرون وفي مواجهة التحديات الخارجيه العاصفه نجد أنفسنا مكبلون بالتحالف الديكتاتوري البيروقراطي، كارهون رافضون لتاريخنا ومنفصلون عنه منسلخون عن هويتنا، نستنفذ كل طاقاتنا في الجريوراء سراب ولا نزال نتساءل ماذا حدث للمصريين ؟؟!! يجب أن يتصالح الأنسان المصري مع نفسه وتاريخه وأن يكون انتماؤه لمصر هوالأساس وأن نتوقف عن التعامل مع تاريخنا بمنطق الأهلي والزمالك فنحن أما مع أوضد، فلننظر إلي تاريخنا كحلقات متصله ببعضها تربطنا بجذورنا وتؤصل هويتنا أخيرا دعنا ننظر إلي مستقبل مصر من منظور وطني مصري خالص