رغم رياح التغيير التي اجتاحت معظم مناطق العالم عقب نهاية الحرب الباردة. مايزال الشرق الأوسط "الكبير" أسخن منطقة في العالم, وكأنه أريد لهذه المنطقة تحديدا أن تكون مختبرا للعديد من الأفكار والمفاهيم الجديدة خلال السنوات المقبلة. ويبدو أن سخونة الأحداث قد كشفت عن أن مفهوم الحرب نفسه قد تغير. ناهيك عن الغايات التي من أجلها تشن الحرب, ووسائلها وأسبابها, فقد كان التمييز النظري بين العدالة في شن الحرب والعدالة في إدارتها, أهم مبادئ الحرب العادلة منذ معاهدة ويست فاليا عام1648، رغم أن الواقع كان يسير في الاتجاه المعاكس,. فقد مورست الحرب العادلة بوسائل غير عادلة دوما. وانتهكت اتفاقيتا جنيف ولاهاي, مرارا وتكرارا, اللتان حددتا الشروط الدقيقة للعدالة في إدارة الحرب. كما أن المبدأ القائل بأن الحرب حق لا مفر منه, حتي نكتشف وسائل لحل مشاكلنا الدولية تكون أشد وأكثر قدرة علي القتل, بات مبدأ مشكوكا فيه إلي حد كبير, ذلك أن التهديد والتدمير اليوم لا تمارسه الجيوش الجرارة في ساحات معروفة للقتال, وإنما يعتمد علي منظمات وشبكات غير معروفة العنوان أو الهوية, حتي وان أعلنت هويتها عبر مصافي وسائل الإعلام, أو لها حتي مركز واحد لصنع القرار, وبالتالي أصبح من الصعب ردعها أو تخويفها والتأثير فيها, وهو ما يؤكد أننا أمام مفهوم جديد للحرب يتناقض مع منطق القتل التقليدي. ان المطاوي وقاطعات الورق المقوي والأحزمة الناسفة والعربات المفخخة هي الأسلحة التي تخاض بها الحروب اليوم. وليست ترسانة الأسلحة النووية أو الذرية. وخلفها يكمن أمران: سباق حربي حقيقي, أو متخيل, يعتمد علي التجنيد والتدريب والمعلومات والتجسس والاستطلاع والدعاية والموارد المالية. الأمر الثاني وهو الأهم هو " الغضب البارد " حسب تعبير أرونداتي . والغضب هو المفتاح الذي يتسلل من الحواجز الجمركية والبوابات الإلكترونية, ولايظهر علي كاميرات الفيديو أو عند تفتيش الحقائب. وبالتالي لا تصلح معه الحرب الوقائية. لقد وصف المحافظون الجدد, والرئيس بوش نفسه, تنظيم القاعدة بتعابير رؤيوية مثيرة بأنهم قوي الظلام المنبثقة عن الشر المطلق. وبما أنهم كذلك لا حاجة للبحث عن أسباب استيائهم وغضبهم. وهي نظرة تحرر الولاياتالمتحدة من أي مسئولية. ان البديل الذي غيب عمدا, هو إحياء الدبلوماسية الوقائية التي تقوم علي العقلانية, وتبحث عن الأسباب الحقيقية للغضب, وتلتقط النذر الأولي للانفجارات المتوقعة وتضع الإجراءات والتدابير الوقائية لمنع انفجارها أو علي الأقل احتوائها.