رجل الشارع البسيط في الولاياتالمتحدةالامريكية مازال يجهل أسباب الضجة التي أثارها الفيلم الجديد Good Night Good Luck بطولة واخراج جورج كلوني، الذي بدأ عرضه في امريكا ثم العالم في 7 أكتوبر من العام الماضي، وحقق ايرادات اجمالية بلغت 662.16،855 مليون دولار، لكن العالمين ببواطن الأمور، من نقاد وسينمائيين ومراقبين، لم يجهدوا أنفسهم طويلا في التعرف الي حقيقة اسباب ودوافع تلك الضجة فيكفي ان يدرك احد ان الفيلم تعرض للازمة الشهيرة بين السينمائيين المثقفين وما سمي وقتها بهيئة النشاط المعادي لامريكا ليعلم الجميع ان هذا مبرر كاف لاثارة ازمة.. وليس ضجة فحسب. ففي اعقاب عرض الفيلم : الذي تدور احداثه حول الصراع الذي احتدم في الخمسينيات بين قاريء نشرة اخبارية تليفزيونية والسيناتور الامريكي مكارثي الذي تزعم ملاحقة الاعلاميين والسينمائيين الامريكيين بتهمة اعتناق الشيوعية ومعاداة الرأسمالية والولاياتالمتحدةالامريكية، بدا وكأن الفيلم قد جدد الاحزان، والذكريات الاليمة التي ينظر اليها الكثيرون بوصفها عارا في جبين امريكا، ويود كل مواطن امريكي ان ينساها أو يمحوها من ذاكرة بلد الحرية والديمقراطية. من هنا استعاد الكثيرون القائمة السوداء التي ضمت العديد من الضحايا، علي رأسهم الفنانون والمخرجون، ممن حاولوا عرض افكار في افلامهم وقفت لها الرقابة بالمرصاد، ولم يقف الأمر عند حد تحريض الشركات الامريكية الكبري علي مقاطعة أولئك الذين ضمتهم القائمة وانما تجاوز الأمر هذا إلي المطالبة بمحاكمتهم بتهمة "الخيانة العظمي" فيما اعتبر بنظر المراقبين دخولا للفاشية إلي الأراضي الأمريكية بحجة حمايتها من الشيوعية التي شهدت فورانا كبيرا تمثل في دخول عدد من السينمائيين ما سمي بالحزب الشيوعي الأمريكي وفي مواجهة هذا قامت هيئة النشاط المعادي لأمريكا بادراج أسمائهم في أول قائمة سميت ب "الهوليوودين العشر" وضمت كتاب السيناريو: القابيسي، لاستر كول، البرت مالتز، سامويل اورنيتز اضافة إلي الروائي والسيناريست والتون ترومبو والمنتج وكاتب السيناريو ادريان سكوت والمؤلف والمخرج هيربرت بيبرمان والمخرج ادوارد ديمتريك والصحفي والسيناريست رينج لاردنر، وبعدها توالي ادراج اسماء ضحايا آخرين كثيرين، كان من بينهم المخرج الكبير ايليا كازان وباد شولبرج ثم تجاوز الامر هذا إلي استجواب غالبية أصحاب الأسماء التي ضمتها القائمة قبل ان تبدأ الرقابة الأمريكية في منعهم من العمل واستبدالهم باخرين حتي ان بعض من ضمتهم القائمة لجأوا إلي استعارة اسماء أخري حتي تسني لهم العمل بينما اضطر البعض الآخر منهم إلي اللجوء إلي بريطانيا لايجاد فرصة عمل هناك وكتابة سيناريوهات يتم ارسالها بطريقة سرية إلي هوليوود وعلي الرغم من محاولة نسيان هذه الوقائع المؤسفة إلا ان الفضيحة تجددت مرة أخري عام 1959 عندما اراد الممثل كيرك دوجلاس الاستعانة بالكاتب والتون ترومبو لكتابة سيناريو فيلم "سبارتاكوس" قبل ان يكتشف انه احد المدونة اسماؤهم في قائمة العشرة ثم تكررت الواقعة بحذافيرها مع المنتج مارتن رانشوف والمخرج فورمان اللذين اعطيا الأمان للسيناريست والصحفي رينج لاردنر ليكتب سيناريو فيلم بعنوان Cincinnati Kid الذي انتج عام 1965 وبعدها بدأت الحياة تهدأ بعد التغيير الذي شمل المجتمع الأمريكي الذي ثارت طوائف عديدة منه ضد مكارثي والقائمة وما اطلق عليه "هيئة النشاط المعادي لأمريكا" مما شجع الذين شملتهم القائمة للدفاع عن أنفسهم والمطالبة بحقوقهم التي كفلها لهم الدستور واستقطاب الشعب الأمريكي في جانبهم بالقول انهم كانوا ضحايا الوضع السياسي الذي كان سائدا في تلك الفترة خصوصا ان بعض كبار الفنانين الذين شملتهم قائمة المقاطعة، مثل شارلي شابلن بدأ في كتابة بعض الأفلام بصيغة مختلفة مثلما فعل في فيلم Aking in Newyork من تأليفه واخراجه وكان ايليا كازان قد كتب الفيلم من قبل غير انه لم يستطع عرضه بسبب الضغوط القائمة آنذاك والتي أدت إلي انسحاب مارلون براندو لعدم رغبته في العمل معه وانتج شابلن الفيلم عام 1957 لكنه لم يسلم من الهجوم، ووصل الأمر إلي حد ايداعه القفص مع المتهمين مما اثار غضبه واصيب باحباط أدي إلي ان يتخذ قرارا بالهجرة إلي سويسرا التي توفي فيها. في السياق نفسه قدم الكاتب الشهير آرثر ميللر فيلمه The Crucible الذي هاجم فيه هيئة المقاطعة التي صنعت القائمة لكنه تعمد ان يكتبه بشكل غير مباشر حتي لا يثير غضب الرقابة فتعمل علي ملاحقته ومنعه.. وعام 1976 عاود النجم الكوميدي وودي آلان استعارة الواقعة التي اعتبرها بمثابة أسوأ فترة في تاريخ أمريكا وقدم رؤية كوميدية تقطر بالمرارة والسخرية استوحاها من سيرة شخصيتين من الذين ادرجا في القائمة السوداء والطريف ان مخرج الفيلم الذي اطلق عليه The Frant مارتن بيت ومؤلفه والتر برينسن كانا مسجلين في القائمة في فترة الخمسينيات.. ولحظتها تذكر الجميع - ايضا - الكاتب ابراهام بولونسكي الذي استلهم المخرج اروين وينكلير أحدي مؤلفاته ونسج منها أحداث فيلمه "مذنب بالاشتباه" Guilty by Suspicion الذي انتج عام 1991 وقام ببطولته روبرت دي نيرو ويسود اعتقاد ان القائمة تجاوزت العشرة فيما بعد حتي وصلت إلي 500 ضحية علي حد تأكيد جوناثان فورمان الناقد السينمائي بجريدة "نيويورك بوست" الامريكية.