شهدت الانتخابات البرلمانية الماضية مأساة إنسانية حقيقية بعد ان فقد 15 مواطناً حياتهم في الاشتباكات وأعمال البلطجة التي شهدتها المرحلتان الثانية والثالثة من الانتخابات. وبدأت منظمات حقوق الإنسان بالتحرك حيال الأمر وأرسلت عدة بعثات تقصي حقائق لقري ومدن القتلي والمصابين للقاء أسرهم والوقوف علي الاسباب الحقيقية لوفاة هؤلاء المواطنين الذين تزايد عددهم بسبب وجود عشرات المصابين باصابات بالغة خلال هذه الاشتباكات التي كانت السمة الغالبة لهذه الانتخابات. في البداية اتهم عصام صقر مدير المرصد المدني لحقوق الإنسان لجنة الانتخابات البرلمانية ووزارة الداخلية بعدم الاعلان عن حقيقة ماحدث واكتفائهم بالاصرار علي أن قوات الأمن لم تستخدم الرصاص الحي ضد المواطنين وأن قوات الشرطة كانت موجودة لتأمين مراكز التصويت، إلا أن شهود العيان اكدوا ان قوات الأمن فتحت النار علي الرجال والنساء والاطفال بالاضافة لاستعمال قنابل الغاز المسيلة للدموع والرصاص المطاطي مشيراً إلي ان التقارير الحقوقية وبعثات تقصي الحقائق اكدت ان الحكومة المصرية قامت بانتهاك النظام الانتخابي واستخدام العنف تجاه المدنيين مضيفاً ان السلطات المصرية اغفلت التعامل مع العديد من الانتهاكات ومن بينها فتح النار علي المواطنين ومنع الناخبين من التصويت وشراء اصوات الناخبين وتزوير الانتخابات بالكشوف التي سيطرت عليها الاخطاء. وحسب رصد تقارير منظمات حقوق الانسان والمنظمة المصرية لحقوق الانسان فإن وتيرة العنف تصاعدت في المرحلة الثانية من الانتخابات وأسفرت عن مقتل المواطن محمد خليل ابراهيم السائق الخاص بالمرشح المستقل "حسن حسين" بدائرة الجمرك والمنشية بمحافظة الاسكندرية دون ان يحدد إلي الآن من قتله بعد أن لاذ من طعنوه في مختلف انحاء جسمه بالفرار ومن خلال مقابلة عائلته تبين أنه يعتبر العائل الوحيد لها ولم تقم أي جهة حتي الآن بصرف أي تعويضات لها. وفي المرحلة الثالثة استمرت أعمال العنف وتدخلت قوات الامن كطرف جديد في تلك الاعمال التي ظهرت في المرحلة الثالثة بجولتيها الاولي والثانية، حيث استخدمت تلك القوات القنابل المسيلة للدموع والاعيرة النارية والرصاص المطاطي إزاء الناخبين لمنعهم من دخول اللجان الانتخابية للادلاء بأصواتهم وهو ما اتضح في 4 محافظات بالجولة الاولي وهي الشرقية، الدقهلية، كفر الشيخ، دمياط وسقط خلال هذه الاشتباكات اكثر من 12 قتيلاً في أعمار سنية متفرقة. ولكن هل سيمر الامر دون تعويض مناسب لسقوط هؤلاء دون ذنب خلاف مشاركتهم الانتخابية أو بسبب حظهم العاثر بتواجدهم في هذا التوقيت بجوار اللجان الانتخابية أو بالقرب منها. الثابت حتي الآن انه تم وعد اسر الضحايا بالتعويض الرسمي لمثل هذه الحالات وهي مابين مبلغ ثلاثة إلي اربعة الاف ولكن هل هذا يكفي ويعبر عن حجم المأساة التي تعيشها هذه الاسر الفقيرة وفي بعض الحالات المعدمة. حافظ أبو سعدة الامين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان يؤكد ان المنظمة بدأت التحرك بالفعل في هذا المجال حيث ستسعي لتحريك دعاوي قضائية للمطالبة بالتعويض لصالح هذه الاسر مشيراً إلي ان بعثات تقصي الحقائق التي ذهبت الي هناك عرضت ذلك علي أسر الضحايا لكنها لم تحصل علي اجابة نهائية حتي الان منهم لتحريك القضايا والحصول علي التوكيلات اللازمة لذلك. وأوضح أبو سعدة ان المنظمة لاتستطيع ان تتحرك من تلقاء نفسها في هذا الامر وانه يجب علي أسر الضحايا ان يبحثوا عن حقوقهم وان يهتموا بالتحرك علي هذا المسار حتي لاتضيع هذه الحقوق التي لايمكن ان تصل مهما كان المبلغ الذي سيأتي من ورائها الي قيمة مافقدته هذه الاسر من أعزاء في هذه الاشتباكات خاصة وان من بينهم طفل في العاشرة من عمره ويعيش أبواه في حالة نفسية سيئة منذ وفاته. ويري إيهاب سلام رئيس وحدة العمل الميداني بجميعة حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أنه حسب تقارير وشهادات مراقبي الحملة الوطنية لمراقبة الانتخابات فإن اغلب الضحايا الذين سقطوا خلال الانتخابات يحق لهم المطالبة من حيث المبدأ بالتعويض المدني في ضوء انهم ضحايا جرائم ارتكبتها قوات الأمن أو نتيجة تقصيرها في حمايتهم أثناء العملية الانتخابية، ولكن من الناحية الجنائية هناك صعوبة لاثبات من ارتكب هذه الجرائم وتحديدهم لمحاسبتهم. وأوضح ان كافة احداث العنف التي شهدتها الانتخابات أنه كان مراقبو الحملة متواجدين فيها وكانوا علي اتصال بأسر الضحايا ويتحركون مع المصابين بين المستشفيات المختلفة وبالتالي فإن الامور لاتحتاج إلي بعثات تقصي حقائق لاننا كنا شهوداً مباشرين علي ماحدث لافتاً أن الحملة في طريقها إلي اتخاذ قرار بالتضامن مع اسر الضحايا ورفع قضايا تعويضات خلال الفترة القادمة. وأوضح سلام ان الجهة التي كان من المفترض ان تتحرك بشكل مباشر مع الضحايا وأسرهم هي المجلس القومي لحقوق الإنسان باعتبار ان ما وقع كان اعتداء علي مواطنين أثناء ممارستهم لحق دستوري لهم ولكنه كان بشكل عام اضعف مؤسسة تتفاعل مع احداث المعركة الانتخابية الاخيرة بالرغم من ان قرب الحكومة كان من الممكن ان يوفر له قدرة اكبر علي الحركة فهو لم يقم بأي شيء لهم ولم يساعدهم كما كان من المفترض ان يتم مع اسر الضحايا وترضية أسرهم، وكان يمكن ان يقدم النموذج في التحرك لباقي المنظمات أو يساعدها من أجل القيام بهذا الدور ولكنه لم يقم بذلك. اما عن دور الحكومة فيؤكد سلام ان هؤلاء الضحايا لا يختلفون كثيراً عن ضحايا حوادث الطرق أو الطائرات الذين يصرف لاسرهم تعويضات مناسبة وبالتالي فإن حقهم الدستوري ان يحصلوا علي تعويضات تتناسب مع حجم المأساة التي وقعت عليهم خاصة وان الضرر ثابت من جانب الدولة التي تعتبر قصرت في حق حماية مواطنيها اثناء ممارستهم لحق دستوري.