"الانشقاق المُرجأ" الذي أعلنه أمس وزير الخارجية السوري السابق ونائب الرئيس عبد الحليم خدام لا بدّ أنه قد أحدث ما يشبه الزلزال في أروقة الحكم السوري كونه خدام أحد أضلاع هذا الحكم علي مدي يزيد علي الثلاثة عقود. ان الصدمة تتأتي بفعل الثقل الذي يمثله الرجل اضافة الي ما ينطوي عليه من أسرار ومعلومات خطيرة ستُسبب، في أقل تقدير، حرجاً كبيراً لدمشق في حال اعلانها إن لم تكن نتائج مثل هذا الكشف أكثر خطورة وتهديداً. وفي خطوة استباقية، محسوبة، وجه خدام من مقر اقامته في باريس تحذيرأ ثقيلاً حيث قال: السوريون يعرفون من هو عبد الحليم خدام واذا جرؤ أحد علي التفكير بمحاكمتي، عليه أن يحسب أنه سيكون في يوم من الأيام في قفص الاتهام . مضيفاً "لدي الكثير مما أقوله، لكن لا أقوله لمصلحة سوريا البلد، ومن يحاول ويفكر بمحاسبتي يعرف جيداً ما لدي وهو كثير وخطير". ولمناسبة اعلان افتراقه وقطيعته وإن بعد أكثر من ثلاثين سنة مع نظام حكْم شكّل هو أحد أركانه نستعيد هنا، من أرشيف "جريدة الجرائد" مادة نشرت قبل أكثر من ستة شهور للأستاذ "حسن صبرا"، لأنطوائها علي الكثير مما أفاد به نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام في لقائه مع "العربية". كان نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام المسئول السوري الوحيد الذي زار مستشفي الجامعة الأمريكية في بيروت للاطمئنان الي حالة الوزير والنائب والزميل مروان حماده بعد ساعات من تعرضه لمحاولة اغتيال صبيحة يوم 1/10/2004، ليستقبله الزعيم وليد جنبلاط علي باب المستشفي الخارجي مهدئاً من مشاعر الناس الغاضبة الهاتفة ضد نظام الوصاية السوري علي لبنان، محملين الاستخبارات السورية واللبنانية مسئولية محاولة قتل حمامة السلام مروان حماده. كان إصرار أبو جمال علي الحضور الي المستشفي مباشرة في وضح النهار، سيراً علي الأقدام عشرات الامتار للاطمئنان علي مروان اشارة ذات دلالة الي استنكاره الشخصي والانساني والسياسي لهذه الجريمة، وكان يستطيع ان يضع عينيه الدامعتين الآسفتين في عيني وليد جنبلاط الباكيتين، حتي بدا ان الاثنين علي مفترق طرق لا رجعة عنه، حيث قطع جنبلاط كل جسور للحوار يمكن ان تنشأ بعد هذه الجريمة مع مافيا النظام الامني السوري وتابعه اللبناني، ومع من يمده بأسباب القوة والقرار في دمشق، وقطع عبدالحليم خدام الشك باليقين بأن الذي صمم علي التمديد القسري للرئيس اميل لحود في 2/9/2004، مستدرجاً القرار الدولي 1559 الداعي الي سحب القوات والاستخبارات السورية من لبنان هو نفسه استدرج الوضع الي تأزم ثم تفجير كانت محاولة اغتيال حماده هي التعبير الفج والقاسي والمدمي له. وكان عبدالحليم خدام هو المسئول السوري الوحيد (ونجلاه) الذي قدم الي لبنان بعد ساعات علي استشهاد الرئيس رفيق الحريري ظهر يوم 14/2/2005، فدخل دار قريطم وتسابقت بين انظاره وآذانه ذكريات العلاقة الحميمة مع راحله الكبير وهتافات جمهوره الغاضب من محيط الدار الي كل ركن فيه ضد النظام الامني السوري "هاي ويللا سوريا اطلعي برا".. لم يشعر خدام للحظة انه المقصود بهذه الهتافات حتي لو طالته بعض عباراته، فكل من في الدار من أهله ورجال السياسة والاعلام يعلمون ان خدام كان في دمشق ضد اهل كل هذه التداعيات بدءاً من رفضه التمديد القسري للحود الي فهمه ان السياسة التي فرضت التمديد هي التي استدرجت القرار الدولي ونتائجه المدمرة.. محاولة اغتيال مروان حماده ثم جريمة قتل رفيق الحريري الارهابية. نعم كان ابو جمال علناً ضد التمديد القسري لاميل لحود، وأبلغ سياسيين لبنانيين مقربين من سوريا ان هذا القرار اذا مر ستكون نتائجه كارثة علي لبنان.. وعلي سوريا، وكان الرد علي أبو جمال داخل السلطة في دمشق: انك تتخذ هذا الموقف ضد لحود مدفوعاً بعلاقتك مع رفيق الحريري ورهانك علي نجاح مشروعه، بل لعل انزواء عبدالحليم خدام في دمشق عن كل قرار مفصلي للسلطة فيها وخاصة تجاه لبنان الذي كان اكثر السوريين اطلاعاً علي اوضاعه هو اقل الاضرار ثمناً يدفعها خدام نتيجة علاقته بالحريري.. وكم كان المصير الاسوأ ينتظر خدام لولا فشل كبير اصاب كل الذين تعاطوا احوال لبنان بعده. الآن عندما يقف عبدالحليم خدام في اطار مناقشة الوضع السياسي داخل اللجنة السياسية التي شكلها حزب البعث الحاكم في دمشق لاعداد الورقة السياسية للمؤتمر القطري المنعقد خلال ايام في العاصمة السورية ويتصدي لبطل المرحلة السياسية التي ادخلت سوريا أتون الحرب الدولية ضدها وعزلتها العربية وانسحابها القسري المهين من لبنان فاروق الشرع فهو لا يظهر انتقاماً شخصياً من الشرع الذي لا يحبه فقط، بل وأيضاً رداً لكرامته السياسية والشخصية التي طعنت في ذكائها وحسن تصرفها بعد ان وجد كيف انتقل الوضع السوري كله في لبنان من الإمساك برقبة كل الوطن الي حالة يضطر فيها النظام السوري الي نفي مجرد زيارة وفد امني استخباراتي للبنان لحث جماعات تعاونت معه علي الاقتراع لهذا او ذاك. عبدالحليم خدام اسقط في مواقفه تلك الاكذوبة التي تحدثت عن صراع بين حرس قديم وحرس جديد في سوريا. ابو جمال كشف ان من هم في الحرس القديم كانوا أذكي وتصرفهم أعقل وسلوكهم أقوم من كل الذين ((اتهموا)) بأنهم حرس جديد. كان خدام القديم ضد التمديد لإميل لحود، ضد استعداء وليد جنبلاط، ضد هذا السلوك الهمجي ضد رفيق الحريري من اساسه. وكان الحرس الجديد ضد كل هذا.. بالمطلق. حسن صبرا الشراع