كالعادة أرسل التيار الديني رسالة مشوشة وملتبسة، ويبدو أن هذه الضبابية في الخطاب أصبحت من أهم أدبيات هذا التيار. تبدأ الرسالة بالترهيب من خيال المآتة (الفزاعة) الأمريكي (لزوم شل مخ القارئ) وتنتهي بالترهيب من الله الذي لن يرحم من لم يستقم ويتبع ماجاء بالرسالة من حكم ومواعظ (لزوم السمع والطاعة وتقبيل الأيادي) بين البداية والنهاية اتهامات بالعمالة والخيانة يساندها احساس شديد بغرور القوة والتعالي نفخت فيها نتائج الانتخابات في مصر، باكستان، اليمن، الأردن، وغزة.. والتي وضح فيها استحواذ التيار الديني علي أصوات الناخبين. وحتي يحاول أن يكون د. العريان موضوعيا فقد من علينا ب 4 نصائح أو مواعظ، وأنا أرجوه وكل من قرأ الرسالة أن يستبدل الليبرالية بأي عقيدة أخري، وسيجد ويا للعجب أن الأربع نصائح ستصلح للجميع، يعني نصائح All Size وبما أن د. العريان يقدمها لنا باعتباره ممثلا للتيار الديني فدعنا نستبدل الليبرالية في نصائحه بالدين، ونري "كي نضع حدا للدكتاتورية والاستبداد والتخلف في بلادنا" فإلي د. العريان أوجه كلمتي وندائي: أولاً: اصطلحوا مع شعب مصر الذي تنتمون اليه، مع ثقافته وحضارته، مع تراثه وتاريخه الذي يمتد 5000 عام، لاتكرروا تجربة الإسلام الوهابي أو الطالباني أو الترابي ويمكنكم أن تحتجبوا في منازلكم لسنوات حتي تستطيعوا أن تتعرفوا علي ما قدمته مصر وشعبها للعالم من حضارة وعلم وثقافة ودين سمح لايضع الحل بين سيفين مسلطين علي رقاب العباد ومغروسين في رقبة نجيب محفوظ وفرج فوده ونصر أبو زيد وطه حسين وعلي عبد الرازق وأي واحد يقول كلمة مختلفة عن آرائكم التي لا يأتيها الباطل. ثانياً: كن صادقاً مع نفسك ومع الناس إذا جاءت الرياح بما تشتهي نفسك، كيف سيحكم الأخوان؟ هل تنكر أنك ستحكم بمرجعية دينية تكون أنت وجماعتك ومرشدك المرجع الأول والأخير والأساس لها؟ أم تري سيتم تسليمنا لمرجعية دينية أخري كشيوخ الخليج مثلا أو شيوخ الفضائيات، أم سيكون كل منا حرا في اختيار مرجعه الديني الذي يتبعه، لن أسألك عن شكل الحياة في مصر فوثيقة "فتح مصر" موجودة يمكنك طبعا أن تنفي وجود مرجعية دينية كما نفيت بالأمس الطموح لعودة دولة الخلافة، هنا يظهر سؤال: لماذا إذن تتمسحون بالدين؟ ثالثاً: هل السيناتور جون ماكين الذي تريد أن نتبعه، ليبرالي أم من الأخوان، ومن قال لك إن جورج بوش ليبرالي، ما هذا الخليط؟ بوش ياسيدي هو أيضا مثلك رمز لتيار ديني صليبي، ويكاد كلامك عن "الحاجة إلي الفرز الجاد ان كنتم تريدون ان يكون لكم دور" يتطابق مع فكر بوش عن أن من ليس معنا فهو علينا. رابعاً: تدعي سيادتك أن التيار الليبرالي هو الذي يفتش في نوايا الناس، ما هذا الهذر، هل هناك تيار يفتش في نوايا الناس أكثر من التيار الديني؟ مالم تقله يا د. العريان هو أن سيادة التيارات الدينية وحكمها الثيوقراطي كان حكما فاشيا علي مر التاريخ أدي إلي مهالك وتخلف وسيادة للجهل وأننا الآن نعيش عصراً ترتفع فيه تيارات ذات مرجعية دينية في الشرق والغرب، لافرق بين أفكار سيادتك وأفكار بوش أنتم وجهان لعملة واحدة تمتطي الأديان كي تفرض سيطرتها و وصايتها علي الناس وعلي فكرهم وحريتهم. مالم تذكره أيضا يا دكتور هو مصر. ويبدو أنك بعد فتح مصر رأيت أن تتجه لبقية الأمصار، أو أنكم "حاليا" علي وفاق مع الأخوان القوميين فوجهت خطابك إلي العرب من المحيط الهادر إلي الخليج الثائر جامعا الليبراليين العرب في سلة واحدة حتي يتوه المعني والمبني، فقد يتفق سطر مع السعودية وآخر مع العراق والثالث مع الصومال، فيختلط الأمر علي المتلقي أكثر مما هو مختلط. فلتتحدث عن مصر ياسيدي ولتذكرها جيدا وكفي مزايدة بالدين. إيهاب قاسم مدير عام البنك المصري الأمريكي