حديث الثلاثاء إذا كان هناك من عملية تقييم للدراما التليفزيونية في شهر رمضان فعلينا أن نحلل المضمون ونخضعه للهدف الأسمي للفن والذي يدور حول الارتقاء بأذواق المشاهدين ومستوياتهم الثقافية وتغيير سلوكياتهم غير المتحضرة أو الشعبية. إن هذا هو المقياس الحقيقي الذي يجب أن نحكم به علي المسلسلات الدرامية.. وإذا كانت هناك معايير أخري للتقييم مثل التسلية والامتاع فهذه ثانوية وتدخل في حرفية العمل الإبداعي. بصراحة أي متابع ومدقق في الكم الكبير من التمثيليات التي بثتها شاشات الفضائيات واضعا نصب عينيه معيار التقييم الذي ذكرناه من قبل سيخرج بنتيجة مثيرة تحت عنوان أكثر إثارة.. إنها مسلسلات تكرس للتخلف الثقافي وتدعو لسلوكيات وموروثات قديمة كالثأر- الفهلوة- البلطجة- قهر المرأة- لغة المال أقوي من القانون.. وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي نحاول التخلص منها لإعاقتها عمليات النمو والتمدين. لو بدأنا بمسلسل زهرة وأزواجها الخمسة (الأكثر شهرة بين إخوته في دراما رمضان) سنكتشف أنه حدوتة (هندية) كما أطلق عليها الكثير من المشاهدين من المفاجآت المثيرة والغريبة فيه.. هذا المسلسل يحمل في طياته تكريس شعارات يرددها البعض بأن الفلوس هي كل شيء وتتحكم في الجميع وتهزم القانون وهذا ما كان ما يتحدث به دائماً بطل المسلسل (حسن يوسف) أضف إلي ذلك شخصية الفهلوي التي لعبها حجاج عبدالعظيم (خليل) الذي يبيع كل شيء من أجل المال حتي لو كان أمه وأخته. إن عدد المسلسلات الكبير الذي تناول (الصعايدة) شيخ العرب همام ومملكة الجبل وموعد مع الوحوش فكلها تعمل بطريق غير مباشر لتكريس الموروثات القديمة لمواطني الجنوب وتسلط الأضواء بشدة علي سلوكيات وعادات الثأر والمطاريد طوال المسلسلات وتأتي في الحلقتين الأخيرتين لتكشف أنها عادات خطيرة تجلب الدمار والخراب وبالطبع فإن هذه المعالجة لن تستطيع أن تمحو ما بثته من حلقات طوال الشهر. للأسف لا توجد دراما تتحدث عن المستقبل وتحدياته وما يفرزه من سلوكيات وقيم جديدة تتصارع مع عادات وتقاليد قديمة.. فمعظم المسلسلات إن لم يكن كلها تدور في سياق الماضي. هناك دراما رغم ما شابها من قصور فني إلا أنها كانت تحمل رؤية مشكلة (العنوسة) تحت اسم (عايزة اتجوز) والتي تمثل خطورة اجتماعية تهز كيان المجتمع حاول المسلسل أن يتعامل معها بطريقة ساخرة.. إلا أنها محاولة لاثارة الرأي العام للبحث عن حل. لا أحد يعترض علي مسلسلات تجمع بين التسلية والتشويق وفي نفس الوقت تحمل رسالة التنوير والاصلاح وتفتح آفاق المستقبل وتتفاعل مع قضايا العصر.. وكفي غرقا في بحور الماضي.