هناك مواصفات معينة كامنة في الأعمال الأدبية التي تغري بالنقل الي الشاشة الكبيرة، هذه المواصفات تتغير بين جيل وآخر.في مرحلة الرومانسية التي أطلقت (دعاء الكروان) لطه حسين، وأعمالاً أخري لتوفيق الحكيم، ومحمد عبد الحليم عبد الله، واحسان عبد القدوس. كانت السينما أكثر جرأة من العمل الأدبي. كما تحول بعض مشاهير كتاب الدراما التلفزيونية والدراما المسرحية الي كتابة السيناريو السينمائي مثل ممدوح عدوان، ومحفوظ عبد الرحمن، ويسري الجندي، واذا كانت هناك أعمال أدبية كثيرة قد ظهرت عبر السينما لأدباء مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، ويحيي حقي، ويوسف ادريس، وسعد الدين وهبة، وغسان كنفاني، والطيب صالح، وحنا مينة، وحيدر حيدر وغيرهم، فإن الغريب أن أعمالاً لم تنتج لجبرا ابراهيم جبرا، وغادة السمان, ووليد اخلاصي، وادوارد الخراط، وزكريا تامر، وعبد الرحمن منيف، واسماعيل فهد اسماعيل. وآخرين من الأسماء الكبيرة. ذات الإنجازات الأدبية المشهود لها.مع الوضع في الاعتبار ان اغلب الاسماء السابقة كانت لها صلة بشكل او باهر في تحديث الرواية العربية. والسؤال هو لماذا لم ترتق كثير من الانتاجات السينمائية لمستوي أصولها الأدبية المطبوعة? بوجه عام لابد من الاقرار أن رواد الحداثة مظلومون وهم أشد تعرضاً لهذا الظلم من أشقائهم وزملائهم في الغرب، لأن أولئك يحظون عند مقاطعة الشركات التجارية لهم , باهتمام منتجي ما يسمي بالأفلام السوداء، أو المنتجين المستقلين، وغير ذلك فان احدي أهم المشكلات التي تعترض نقل الأعمال الأدبية الي الشاشة الكبيرة هي اللغة، فالأدب مكتوب غالباً بالفصحي، واللغة السائدة في السينما غالباً هي العامية، وفيما عدا الأعمال التاريخية أو المترجمة عن أصول عالمية، فإننا لابد أن نسلم بأن للاقناع بواقعية ما يقدمه العمل الفني لا يمكن أن تتم اذا تحدث الممثلون بلغة غير التي يستخدمونها في حياتهم العامة. وقد جرب الحل التوفيقي في استخدامهم (لغة وسط) وهي أشبه باللغة التي يتداولها المثقفون في حياتهم العامة، ولكنه يبقي حلاً وسطاً، لأن كثيرا من الشخصيات في الأعمال الفنية تنحدر من بيئات شعبية وفلاحية لا تتكلم هذه اللغة علي الاطلاق، لذلك فإن الأدب العربي يحتاج لدي تحويله الي السينما الي كتاب سيناريو متمكنين في مجال الحوار، الذي يحمل نبض الحياة اليومية، ويعبر عن مستوي الشخصيات الثقافي والبيئي.ولأن الأدب أقل انتشاراً من الاعلام فإن جرأته يمكن غض النظر عنها أحياناً من قبل الرقابة. ولكن عندما تطرح مشاريع لتقديم هذه الأعمال نفسها علي الشاشة، فإن معيار الرقابة يختلف، والتابو الثلاثي له محاور ثلاثة معروفة في بلاد العرب تتراوح صرامتها بين قطر وآخر وبين زمن وآخر. هذه المحاور هي السياسة والجنس والدين، واذا كانت بعض التجاوزات قد حصلت بما يخص السياسة عبر الاسقاط والرمز، فإن تشددا أكبر يفرض علي المحور الثاني، بينما يكاد الثالث يكون في حكم المرفوض رفضاً تاماً، وثالثة المشاكل ان كل الأدباء ليسوا كتاب سيناريو بالضرورة، فإن كثيراً منهم يعترفون بعجزهم عن طرق سبل هذا الفن المعقد، ولا يدعون حتي الالمام به. وكثير من كتاب النثر الروائي , والقصص يعانون من ضعف في كتابة الحوار، وفي خلق مواقف درامية تجذب المشاهد , والحل الأمثل بالطبع يكمن في تعاون صاحب العمل الأدبي مع مخرج العمل، أو مع سيناريست ليتم تحويله إلي صورة مرئية فيلمية.ومن المشكلات التي تظهر أيضاً عند تحويل الأدب إلي سينما بعض العوائق الداخلية التي تتعلق ببنية هذا الأدب، ذات السمات الملحمية أوالسردية الوصفية، أو الذهنية أو تلك التي تستخدم بإسراف تيار الوعي، فضلاً عن ذلك، فإن جزءاً كبيراً من الأدب خلق للقراءة فقط، وبعضه غير جماهيري بحيث لا يتداوله سوي الخاصة من القراء ومن بين الصعوبات الأساسية للتعامل مع النصوص الأدبية هي اختلاف الحقل التعبيري. أي مهمة التحويل النوعي للمضمون اللغوي ( بالمعني المباشر للكلمة ) الي مضمون بصري. وخاصة حين يتعلق الأمر بالنصوص الأدبية القوية، حيث الصورة والتركيب الكتابيين يشكلان غابة لا نهائية من الايحاءات والدلالات. وفي هذا السياق ربما يجدر بنا أن نذكر أن ثلاثية نجيب محفوظ بثرائها وتعدد وحجة هواجسها وصورها الواقعية والفلسفية, وقد اقتبست الي السينما في ثلاثة افلام لاترتقي الي الاصل الادبي بينما يمكن القول ان رواية (الكيت كات ) تحولت الي فيلم ثري بالصورة والتعبير والمعاني الي درجة التفوق علي الرواية الاصلية. العلاقة بين الادب والسينما علاقة متشابكة ومتداخلة ومتباعدة ومتنافرة، ومازالت تحتاج الي الكثير من جهد البحث ربما ساعد ذلك علي تشجيع المنتجين السينمائيين لإنتاج افلام لها قيمتها ولها قدرتها علي الاتصال بواقع الحياة اليومية في بلاد العرب.