بحنكة واقتدار ودهاء- حسب ما عهدناه دائماً في المواقف الصعبة والمحن التي تمر بها المحروسة- نزع الرئيس مبارك فتيل قنابل موقوتة كان أعداء الوطن يخططون لتفجيرها في اعياد الميلاد ليشعلوا نار الفتنة الطائفية، نزع مبارك الفتيل بلقائه المنفرد مع قداسة البابا شنودة.. أنبا الكنيسة القبطية.. صحيح أن اللقاء كان مغلقاً وسرياً إلا أن بعض التسريبات التي خرجت من مصادر كنسية حول نتيجة اللقاء تؤكد أنه كان لقاء جيداً وطيباً، وتحدث الرئيس مع البابا في أمور كثيرة ذات حساسية بشأن الكنيسة، خاصة الاحداث الأخيرة بين الأقباط والأمن المسماة بأحداث العمرانية، لاسيما وأن مظاهرات الأخوة الأقباط تجددت الاثنين الماضي أمام محافظة الجيزة.. مطالبة بالافراج عن المعتقلين علي خليفة هذه الاحداث. وعلني أجد لقاء الرئيس والبابا فرصة لتحليل المشهد الراهن من منظور وطني وقومي بحت. يدرك المراقبون للشأن المصري داخليا حالة اللغط التي تسود الشارع علي خلفية التجاوزات التي شابت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فضلاً عن اتجاه قوي سياسية واحزاب ونواب سابقين بالبرلمان إلي تأسيس برلمان مواز يتخذ من مقر حزب الوفد مقراً، له كل ذلك خلق لدي المواطن حالة من الضبابية بشأن سيناريوهات التعامل مع الأزمات خلال المرحلة المقبلة ومحاولة المعارضين التشكيك في شرعية مجلس الشعب .الجاري. ومن ثم التشكيك في إدارة الحكومة لشئون البلد. وجد البعض في الانتخابات الأخيرة فرصة لضرب انجازات التنمية وما تحقق.. لاعبين علي أوتار المشاكل الحياتية واليومية للمواطن من ناحية.. واذكاء روح الفتنة الطائفية من ناحية أخري لضرب إحدي سمات الحفاظ علي مصر حرة وقوية وهي الوحدة الوطنية. ربما تعزز النقطة السابقة محاولات بعض الدول وبعض القوي في الخارج التدخل في شئون مصر الداخلية.. تارة بإثارة المراقبة الدولية للانتخابات.. وتارة بإثارة حقوق الأقباط باعتبارهم أقلية، وهذا زعم باطل واثارة ملفات أخري تتعلق بالمواطني وحقوق الإنسان والدولة المدنية وان كان الرئيس مبارك قد أكد في خطابه أمام مجلسي الشعب والشوري في افتتاح الدولة البرلمانية الجديدة علي المواطنة والدولة المدنية وأن الدولة تسير في هذا الاتجاه وتعززه.. مؤكداً أن مصر دولة ذات سيادة كاملة ولا نقبل التدخل أو المساس بهذه السيادة اطلاقا. كان البعض يراهن علي حالة من الصدام بين مؤسسة الكنيسة والدولة ويدفعون بالأوضاع حثيثاً صوب هذه الحالة، لكن لقاء الرئيس مبارك والبابا جعلهم يخسرون باستقاق هذا الرهان.. هذا اللقاء الذي يؤكد أن حل مشكلة الأقباط في يد .الدولة. لأن مصر دولة مؤسسات ولا فرق بين مواطن مسلم وآخر قبطي، فالكل أمام القانون والدستور سواء. الرئيس في خطابه البرلماني الأخير أكد علي استراتيجية لمحاربة الفقر والبطالة والفساد وحماية الصحة والتعليم ودعا الحكومة إلي انجاز هذه الاستراتيجية وتوفير التمويل اللازمة لها من خلال الموازنة المقبلة.. وهنا يقطع الرئيس مبارك الطريق أمام اللعب علي تلك الملفات لاذكاء روح الغضب والاحتقان لدي الشارع المصري. لاشك أن مصر تمر بمرحلة فارقة علي جميع الأصعدة وسيكون عام 2011 عاماً فارقاً في مسيرة الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وهناك تحديات ومخاطر وطموحات وآمال.. ويتعين علي الجميع أن يسموا فوق المصالح الشخصية الضيقة ويطلبوا المصلحة العامة للوطن والمواطن.. وفق الله ولاة أمورنا لما فيه خير البلاد والعباد والله من وراء القصد وهو المستعان.