لو أن هذا المشروع المذهل في أي دولة أخري من أي مكان في الكون، لاحتفت به وسلطت عليه الأضواء؛ باعتباره حدثًا تاريخيا وقفزة حضارية هائلة، ولكن.... لأننا في مصر أم الدنيا، فإن المشروع الذي مر عليه قرابة العشر سنوات، وما زال مستمرًّا بنفس الحماس والجدية، يظل طي الكتمان إلا هنة في جريدة هنا، أو لقطة عفوية في قناة هناك، وكأنه حاجة عيب وليس عملاً مشروعًا، ومشروعًا ثقافيا معجزًا. ورغم أن التاريخ يشهد أن مثل هذا المشروع كان بوابة مصر للنهوض كدولة عظمي أيام محمد علي باشا، بل وفي العصر العباسي وعصور كثيرة، وفي كل دول العالم، فإن البوق الإعلامي لا يلتفت إليه. وأنا لا أتهم الإعلامجية الإعلانجية بالتآمر، ولكن يعذَرون لجهلهم. فرغم أن كثيرين منهم أجروا حوارات مع رجل الثقافة بمصر د. جابر عصفور حول الجماعات الإسلامية وتطوير الخطاب الديني! فإن أحدًا منهم لم يتطرق إلي المشروع الأضخم الذي يستخلص من كل الدول والثقافات خلاصة فكرهم؛ ليصبه في ثقافتنا العربية، ويوجِد جسورًا من التواصل مع كل الأمم والشعوب غير تلك الجدران العازلة والأنفاق والدهاليز التي ظنناها فكرًا يميزنا عن كل خلق الله، والتي ظللنا فيها حبيسي التوجس والترقب لسنين طويلة. هذا المشروع ينير أعيننا وبصيرتنا بأضواء من كل مصانع العالم، ويفتح آفاقًا رحبة رحابة الكون. وهو يوازي في نظري مهرجان القراءة للجميع الذي أنقذنا من مصير مشئوم محتوم بانتشال جيل كامل من الانفرام في دوامة العولمة السحيقة، وجَعْلِه يعشق الكتاب، ويقرأ بالشكل الذي يمكِّنه من إحراج كثير من كتاب الأطفال في لقاءاتهم الثقافية بهم. والرجال المجندون لذلك المشروع المهول ما زالوا يواصلون عملهم الدءوب في صمت تام وتفانٍ مطلق.. وهذا دورهم نعم، لكن دورنا نحن هو الوقوف خلفهم بكل عدتنا وعتادنا.. لكن يبدو أن أولاد الكار لا يجيدون إلا الجري واللهاث وراء القضايا الملهلبة المستهلكة من كثرة التناول من جريدة لجريدة ومن يد ليد، وحجتهم أنها قضايا رأي عام، رغم أنهم هم الذين يشكلون الرأي العام، ويقودون الدفة، لا ينقادون في الزفة. آه.. كم أتمني أن أقول كلامًا كثيرًا لا يصلح للنشر، ولكن... أعتقد أنه وصل.. فعندما تصفحت كتابًا عن السان سيمونيين الذين كان لهم دور خطير في نهضة مصر أيام محمد علي باشا علي وجه خاص، أدركت أن المشروع القومي للترجمة يصطفي بمنتهي الدقة والوعي الكتب الأجنبية التي ستنطق باللغة العربية. وسواء اتفقنا مع السان سيمونيين أو اختلفنا، فلهم في كتاب تاريخنا صفحات كثيرة قيمة، ولهم في عمر مصر سنوات فاصلة. لولا هذا المشروع ما سمع الكثير من المثقفين عنهم. هذا المشروع القومي الذي يرعاه ويتبناه السيد الرئيس محمد حسني مبارك هو بوابتنا إلي تولي مكانتنا التاريخية بقيادة مسيرة الحضارة الإنسانية يوم كانت هذه هي مشاريع الدولة، لكنه هذه المرة متميز بترجمة الكتب من معظم لغات العالم.. وقد تحقق الكثير منه، وبقي البسيط، وهو الدور الإعلامي بأن تفيق صحفنا وقنواتنا من غفوتها الثقافية، وتنهض من نومها؛ لتنهض مصر، وتقوم بدورها الطبيعي، كرأي عام مهيئةً جوًّا ثقافيا صحيا لتوعية المواطنين بهذا المشروع الذي علي ضخامته وعظمته لا يسمع عنه إلا الندرة من أبناء الوطن والإعلاميين! مشكلة الصحافة والإعلام في مصر أنها تركز علي الإثارة، ولا تهتم بالإنجاز حتي لو كان بضخامة المشروع القومي للترجمة.