كان فيما مضي الوطنيون يحملون هموم مصر علي أعناقهم ويهتفون عاشت مصر حرة مستقلة.. يحيا الهلال مع الصليب وكانت روح عنصري الأمة واحدة متوحدة تزلزل جحافل الاحتلال. كان فيما مضي الوطنيون يحملون هموم مصر علي أعناقهم ويهتفون عاشت مصر حرة مستقلة.. يحيا الهلال مع الصليب وكانت روح عنصري الأمة واحدة متوحدة تزلزل جحافل الاحتلال، ولم نسمع أبدأ أن هناك انقساماً أو ضغينة بينهما، علي الرغم من اختلاف المشرب والمنهل لأن مصر كانت أمة لها هدف واحد ومصير مشترك، وكان ربانها يعلم أن حدوث أي رجفة في الانتماء يعرض السفينة للغرق. كان التفاني هو لسان حال المصريين ولم يكن للأثرة وحب الذات مكاناً بينهم وكان الإيثار هو الأمل الوحيد لإنقاذ مصر من براثن الذل ومن أجل ذلك أطلت التضحية برأسها، وظهر ما قام به أبناء مصر المخلصون من أعمال خلدت ذكراهم، واليوم ما عدنا نسمع في حب الوطن إلا شعارات جوفاء وكلمات رنانة وأغاني ترددها مأجورات يقبضن ثمنها قبل الصعود علي خشبة المسرح، وأظهر لنا الإعلام الواهن هؤلاء كما لو كانوا هم الذين غيروا وجه الحضارة في بلادنا أو حولوا مجري النيل إلينا وضرب هذا الإعلام المضلل الشعب الطيب فوق رأسه بعصا الكذب والخداع وضاعت الشفافية من حياتنا وأصبحت العيشة كذباً في كذباً، فلنتحمل ما نحن فيه والأمر لله تعالي بعد أن قام كل من هب ودب بعمل قناة فضائية تجلب لنا المصائب، وتشوه في حقيقتنا المرة أكثر وأكثر ونحن نصفق لهؤلاء العابثين كعادتنا، فكم صفقت الشعوب العربية لشاتميها ولم تنته إلا علي أنقاض صفعات مؤلمة تخلع الرقاب ومع ذلك فالإعلام الهابط المصنوع يمكن مقاطعته والعزوف عنه مثل اللحوم الفاسدة التي يزهدها الجائعون برغم احتياجهم إليها وليذهب كل مفسد وفاسد إلي الجحيم يريد العودة إلي ظل الانتماء، نريد أن نقف علي حقيقة أمورنا، كيف نغطي آلامنا وآهاتنا ببسمات زائفة يعتريها الأسي ويمزقها الإحساس بالضياع لقد أوجع أعصابنا ذلك الرواج الإعلامي الصارخ الذي يستهزئ بنا كل آونة من الدهر، لقد فعل بنا كل شيء وأسقط من حسابات أصحاب المجد والحضارة خطورة الموقف وبصورة الحقيقة لعالمنا، إذ جعل الباطل حقاً والحق زوراً، ما أحوجنا إلي صحوة تقضي علي ما نحن فيه من ضياع هوية واستشراء هستيريا التفككك التي ينادي بها بعض الحاقدين علي وحدة أبناء مصر، ولعل أخطر شيء يواجهنا في هذه الأيام هو ما تتمتع به أسواقنا من فوضي الأسعار، حرية البيع والشراء والحبل، كما يقولون علي غاربه ففي بلدنا أسواق كثيرة مثل سوق الخيار المهرمن أو خيار الملايين وثمنه 2.5 جنيه أما الخيار السوبر أو البلدي فثمنه يصل إلي ثلاثين جنيهاً أو أكثر، ناهيك طبعاً عن سوق الذهب والفضة والخيل والعقارات، أما السوق البشري أقصد سوق النخاسة فالسلعة فيه هي أبناء الوطن الغلابة الذين وصل بهم الحد إلي محاولة الفرار من البلاد وقبول الذل والهوان في أعمال حقيرة، وكانت إحدي المجلات العربية الرائدة في رصد الأخبار الفاضحة والشاذة قد طالعتنا بخبر فحواه أن شاباً مصرياً ذا شهادة جامعية مرموقة سافر إلي إيطاليا عن طريق ليبيا وبعدها اضطر للعمل عند سيدة طليانية، أتدورن في أي شيء كان يعمل، لقد كان يقوم الشاب المصري بتربية الكلاب والقطط والعناية بها في كل شيء وكانت السيدة تغدق عليه الأموال حتي أنه كان وسيلة من وسائل جلب المصريين للسفر إلي هناك والله أعلم، ماذا فعلت به هذه الوظيفة الشاذة وما الثمن الذي دفعه. أوقفوا اسواق العبيد في بلادنا، اوقفوا المستشفيات عند حدها، فأين يذهب المرضي أصحاب الكبد والقلب والفشل الكلوي، يا أهل الطب ويا ملاذ من يهرعون إليكم إن ألم بهم الداء وحاصرهم البلاء؟ حقاً هي كارثة أو قل ما تشاء، الطفل محمد محسن فهمي زهران عمره 11 سنة مصاب بفشل كلوي ويحتاج إلي عمل غسيل كلوي 3 مرات كل أسبوع وللأسف ترفض مستشفي الكلي أو وحدة الكلي بدمياط القديمة والجديدة عمل الغسيل للطفل المسكين بحجة أنه طفل مما يجبر والده محسن فهمي زهران الموظف بسنترال دمياط العام علي ترك عمله والسفر بابنه ثلاث مرات كل أسبوع إلي المنصورة، ماذا يفعل الأب أمام مرض ابنه، أين القلوب الرحيمة من رجال وزارة الصحة؟ إننا نهيب الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة الدكتور محمد فتحي البرادعي محافظ دمياط أن تكون لهما كلمة فاصلة مع العاملين بوحدتي الكلي بكل من دمياط القديمة والجديدة إنقاذاً لهذا الطفل المسكين، ورأفة بأسرته التي رهنت ما لديها من متاع آملة في شفاء ولدها، إن ما سبق مثال لا حصر ولقطة واحدة من أحوال سوق النخاسة ولو مات المصريون جميعهم فلن تتحرك شعرة واحدة في رأس أحد السارقين النصابين ولكننا نخاطب أولي القلوب الرحيمة والآذان المصغية أن ينقذوا إخوانهم من سوق العبيد.. فهم الثروة الإنسانية لا الثروة الحيوانية، اخرجوهم من معركة التجار ومن اشعال النار في الطعام والشراب، فلا عاشت مصر حرة بالسجود أمام النخاسة وارتفاع الأسعار، لله درك يا سيدي.. لله درك يا سيف الله.. رحم الله خالد ابن الوليد حين قال وهو يستعد لملاقاة ربه: لا نامت أعين الجبناء.