منذ ان قاد نادي القضاة حملة الاحتجاج ضد إقالة النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود، وما ترتب عليها من إعلان القضاة العصيان، ورفض نسبة كبيرة منهم المشاركة في الاشراف علي الاستفتاء، قبل قرارهم تعليق العمل بالمحاكم، للضغط علي رئيس الجمهورية بالتراجع عن قراره علي اعتبار ان ذلك يمثل من وجهة نظرهم تعديا علي استقلالية القضاء، ومنذ وقوف عدد من شباب النيابة العامة بباب النائب العام الحالي المستشار طلعت عبدالله يطالبونه بالاستقالة، فاستجاب ثم عدل عنها، لم نستبشر خيرا، وبدا المشهد بالنسبة لكثيرين كنت وما زلت منهم،عبثيا، بل وكابوسا يخشي من تداعياته، مهما كانت حساباتهم، خاصة وأن رد فعلهم علي القرار الرئاسي لم يكن في تقديري علي المستوي اللائق بمكانتهم وقيمتهم وقدرهم الذي يحفظه المجتمع لهم، وهو ما كتبت عنه آنذاك في نفس المكان. عاودني نفس الشعور بعدم الاستبشار،علي خلفية تعاقب خمسة وزراء للداخلية منذ ثورة 25 يناير وحتي كتابة هذه السطور، بدءا من محمود وجدي، ثم منصور العيسوي، مرورا ب محمد ابراهيم " الأول" فأحمد جمال الدين، وانتهاء بمحمد ابراهيم " الثاني"، وقد كان من الملاحظ ان تغيير كل وزير كان استجابة لضغط "الميدان"، وأقصد هنا مطالب الثوار، سواء ما تعلق منها باتهام وزير بالتستر علي ملفات قتل شهداء الثورة وعدم تقديمها للمحكمة، او الاتهام بالشهادة الزور امام المحكمة في نفس الملفات، أو التراخي الأمني أمام قصر الاتحادية، وفي النهاية تعددت كما يقولون الاسبان لكن قرار التغييرواحد، ومعه سدد الشعب والمواطن البسيط الفاتورة غاليا، بزيادة الاضرابات والاضطرابات بكافة المحافظات مع تعطل حركة الانتاج، وغلق المصانع وتشريد العمال، والاعتداءات علي المنشآت العامة والخاصة، وانهيار الاقتصاد والسياحة، وهروب المستثمرين، وغلق الشوارع والميادين، وأكثر من ذلك الكل يعلمه دون غرابة! غير ان الغريب والمفاجيء في المشهد السياسي، برز هذه المرة من خلال ما اعتبره انصاره وهم هنا رجال الشرطة ، انتفاضة أو ثورة ضد سياسة وزيرهم، وسعيه لما وصفوه ب "أخونة الداخلية" أو تسييسها ، بدأت بإعلان أفراد وأمناء الشرطة بالمنصورة "دقهلية" اضرابهم عن العمل ثم امتدت الحمي إلي محافظة المنيا ثم سوهاج، فشمال سيناء والقليوبية والشرقية والغربية والاسكندرية، وانتهاء أول أمس الخميس بإضراب الضباط في اكثر من ثلاثين قسما بالقاهرة،لم يسلم منها منزل رئيس الجمهورية بمدينة الزقازيق، وأخيرا قيام ضباط وأفراد قسم شرطة محرم بك بالاسكندرية أمس الجمعة وحتي كتابة هذه السطور بغلق أبواب القسم معلنين الاعتصام، بالتوازي مع انسحاب قوات الأمن المركزي من مديرية أمن بورسعيد قبل ان يتولي الجيش مهمتها!! فوضي عارمة من المؤكد تجتاح مصر الآن في كافة المناحي، لا يشفع لها بلا شك ما اصطلح علي تسميته بمطالب الثوار ورفض اخونة الدولة ، ولا حتي التحفظ علي الاعلان الدستوري ، ولا رفض الدستور بوجوب إعادة بنائه، ولا استخدام العنف في الشارع بتمرير المعارضة لمشروعيته وغض الطرف عن جرائم بلطجيته. كما لا يشفع للحكومة ان ترد علي الواقع المؤلم، واعتداءات المخربين والبلطجية علي أفراد الشرطة وضباطها في المحافظات الملتهبة بالاعتصامات والعصيان المدني، بالاكتفاء بإعادة قراءة نص المادة 245 من قانون العقوبات علي وزير الداخلية في اجتماع المحافظين أول أمس الخميس، يذكره الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء خلاله، بحق رجال الشرطة في الدفاع الشرعي عن النفس في حالة تعرضهم للاعتداء عليها أثناء تأدية عملهم، وذلك دون ان تقدم الحكومة دواء لعلاج اسباب الإحتقان، والاقتراب من الأزمة السياسية بحلول موضوعية، تبعد عن وزير الداخلية تهمة تسييس الوزارة أو بحسب المعترضين: "أخونة الداخلية"، سبقتها اتهامات بالجملة جاهزة ومعلبة مثل: أخونة القضاء وأخونة النقابات وأخونة الجامعات، والإعلام ، والجيش.. إلي آخره! الفوضي سببها في تقديري ان الدولة عاجزة عن المواجهة الديناميكية للأزمات بالبحث عن حلول وسط، تكون كافية لإحراج القوي المتربصة بالسلطة ، بالطبع الحوار أحدها ولكن ليس هو الكل، ورغم صدق مؤسسات الرئاسة فيما تنتويه، غير ان هناك في الحزب الحاكم من يفسدون الطبخة السياسية بمشوراتهم وآرائهم قليلة الخبرة، أما عن التخريب والتربص بأجهزة الشرطة، وفوضي الشارع، فالتشريعات الاستثنائية المؤقتة أراها كفيلة بالحل، رغم أنف النعرات إياها. This e-mail address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it