لم يعد بوسعنا الاستمرار فى مغالطة أنفسنا، والثرثرة بكلام معاد ومكرر وممل حول مسئولية أخطاء الماضى فى ما نواجه اليوم من كوارث ونكبات لا علاقة لها بالإضرابات الفئوية ولا بالمليونيات السياسية ، ولا بتوقف عجلة الإنتاج ، وإنما بتوقف عجلات أخرى، أولاها: الضمير، وثانيتها: المسئولية، وثالثتها: الاكتراث. لم يعد بوسعنا، وبعد مرور عامين على ثورة 25 يناير، السكوت على تكرار العزف على أوتار، سئمنا سماع نشازها، منذ استسهلت حكومات الثورة المتعاقبة ، الدندنة على نغمة الطرف الثالث، أو الفلول، أو المؤامرات الخارجية، أو الفساد القديم، حين تطل أعراض النوائب والكوارث المزمنة برأسها بين حين وآخر، دون تقديم العلاج الناجع، إلا من جرعات تسكينية لجسد متهالك لا يبرح فراشه منتظراً مصيره المحتوم، فى حادث قطار هنا، أو انهيار عقار مخالف هناك، وبين هنا وهناك غرق مركب فى النيل، أو سقوط منشأة تعليمية، أو تصادمات مرورية بالطرق السريعة، وكثير كثير بخلاف ذلك، لا علاقة له بشماعات الإنتاج وتوقف عجلاته، كانت تستدعى الانتباه والالتفات إليها مع مآسى تكرارها، بالشروع فى إنجازها بقرارات جريئة مهما كانت التكلفة. المصيبة هنا ليست فى توجيه الاتهامات وتوزيعها بين هنا وهناك ، إنما فى غياب الحصافة السياسية عن البعض بالانزلاق فى فخاخ الفضائيات ودون مراعاة التوقيت المناسب، لإبراء ذمة السلطة ممثلة فى الرئيس مرسى وحكومة الدكتور هشام قنديل من تكرار حوادث القطارات وانهيار العمارات مؤخراً، والإصرار على اتهام سلوك المواطنين غير السوى بأنه وراء 60% من حوادث القطارات كما صرح وزير النقل أول أمس ، وان غياب الضمير وراء انهيار عمارات مغوشة مواد البناء ، وأن اللامبالاة وراء تراخى مسئولى الأحياء والمدن عن تفعيل قرارات الإزالة التى صدرت ضد الأبنية المخالفة، دون الاعتراف بالتقصير فى عدم فتح هذه الملفات دون إبطاء .وقد كان غريباً – مثلاً- ما قاله الدكتور حلمي الجزار أمين عام حزب الحرية والعدالة لقناة النهار أول أمس الخميس بأنه لا يجوز تحميل الرئيس محمد مرسي، ورئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل مسئولية الإهمال المتعمد من قبل المواطنين والموروث من سنوات فساد طوال، حتى أصبح هناك مقاومة عنيفة للتغيير نحو الأفضل، وتعنت سلوكى رهيب ليس من شأنه أن يؤدى إلى نجاح مهام الرئيس. كان غريباً كذلك ان يتساءل الجزار فى نفس القناة لبرنامج "آخر النهار" عن علاقة الرئيس بسائق تاكسى أصر على المرور لحظة مجىء القطار رغم إغلاق المزلقان من قبل العامل، وعن علاقته بعدم إجراء الصيانة اللازمة على قطار البدرشين من قبل مهندسى الصيانة المنوط بهم القيام بهذا الدور قبل انطلاق القطار، قبل أن يشدد على ضرورة أن يؤدى كل منا دوره بما يمليه عليه ضميره كي يتسنى لنا محاسبة الرئيس. وجه الغرابة هنا أن الجزار لم يشر من قريب أو بعيد إلي مسئولية الحكومة عن تعيين رؤساء هيئات ووزراء خاملين، غير قادرين على التعاطي مع الملفات المزمنة بخيال أكبر من روتينية المنصب وتقليدية المسئولية، فتكون النتيجة أن الشعب هو الذى يدفع الثمن حين يقع المحظور، دون محاسبة أي مسئول بالمعنى الذي تقتضيه المحاسبة القانونية، اكتفاء بإقالته من منصبه وتعيين آخر بديل، لنعود إلى نفس السيرة مع أقرب حادث، وهكذا دواليك، لنعيد مشاهد النظام السابق بالأذهان.. ابحث عن ثلاثية " الضمير والمسئولية والاكتراث" فى أى منظومة، ثم راقب مدى القدرة على تفعيلها مجتمعة دون استثناء إحداها ، ساعتها سنعرف جميعاً أنه لا يكفى التضامن مع المنكوبين بمصمصة الشفاة أو صرف التعويضات لأهالى الضحايا، وإنما هناك شغل كبير تحتاجه مصر منا جميعاً، وشغل أكبر من مؤسستى الرئاسة والحكومة دون إبطاء. This e-mail address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it