قد لا يسعفنا الكلام أحيانًا حين نعوزه في التو واللحظة للتعبير عما بداخلنا، وما يجول بخاطرنا ساعة المحن والنقم والملمات، وهنا يبدو الأمر شاقًا خاصة علي المفكرين والسياسيين وأصحاب الرأي ، فلنلتمس لهم الأعذار من هول النوائب، أما حين يشتاق للكلام فيدعي أصحابه عبر وسائل الإعلام والفضائيات، وعلي مهل، لاستشراف تداعيات الأحداث ورؤاهم للخروج من أزماتها، فينذرون أنفسهم لاستدعاء الفتن وتأجيج لهيب الصراعات السياسية والأيديولوجية بالحديث فقط عن أوزار وسوءات طرف واحد في المعادلة السياسية الراهنة دون آخر، هنا يهتز ميزان الرؤية والفكر، خاصة إذا كان المدعوون للكلام يقولون في الغرف المغلقة مع أهل الحكم ما لا يقولونه في الإعلام والفضائيات. خذ عندك مثلًا ما قاله المستشار محمود مكي نائب رئيس الجمهورية، في حديثه للأهرام قبل أيام من أن غالبية القوي السياسية، أو من يمثلها كانت تشترط مقدما عدم الإعلان إعلاميًا عن لقاءاتها به والحوار معها ، ثم قوله : لكن ما كان يدور بيننا في اللقاءات المغلقة يتم تغييره في العلن، وأمام الفضائيات، وللأسف لا أستطيع مخالفة ما وعدت به حتي لو خالف الطرف الآخر الوعد !! وخذ عندك نموذجًا آخر من الكلام الذي كنا نشتاق لرشد قراءة صاحبه للمشهد المصري ، فإذ به يخذلنا، وأتحدث هنا عن الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل الذي فصّل علي فضائية الcbc رؤيته للواقع المأساوي، متبنيًا وجهة نظر أحادية، حين اعتبر أن حصار المحكمة الدستورية العليا بعد مليونية الشرع والشريعة بمثابة الاعتداء هكذا قال- علي دولة القانون، فيما لم تقترب قراءة الأستاذ هيكل من مشهد الاجتراء علي قصر الاتحادية، ونزع الأسلاك الشائكة التي كانت تفصل بين المعتصمين والمتخيمين وبين قصر الرئاسة قبل أن يتناوبوا توجيه الشتائم والإهانات لرئيس الجمهورية مكتوبة علي جدران القصر، ولم يقل لنا الأستاذ الذي ذكره المشهد - بحسب قوله - بمجيء هتلر وحرق البرلمان الألماني عام 1933، إن كان ذلك اعتداء علي هيبة الدولة أم لا، وهل هذه هي الديمقراطية وحرية التعبير التي كرستها ثورة 25 يناير أم أنها نوع آخر من الحريات ممهورة بتوقيع منطوقه : إما نحن أو الفوضي ؟! لا أدافع بما أسرد عن فصيل سياسي علي حساب آخر، ولا أنتوي، غير أن الشواهد تؤكد أن المجتمع أصبح يواجه فوضي محكمة الإدارة والتدبير.. ولعل استشهاد ستة من شباب الإخوان المسلمين في موقعة الاتحادية مؤخرًا كانت فضائيات الفتن تتبني عرض فيديوهات لملتحين يوجهون أسلحتهم النارية صوب متظاهرين، اعتبرتهم ونخبتها بجرأة متناهية أنهم من المعارضين للرئيس، فإذ بهم من الإخوان، أقول: لعل في ذلك ما يدلل علي استغلال إعلام بعض رجال الأعمال باتجاه تكريس الفوضي، وذلك بعد نجاح من ينتسبون ل»الطرف الثالث« في دس أنصارهم بين المتظاهرين ولكن هذه المرة بلحي في وجوههم وسلاح نارى في أيديهم، لتمويه مشهد الفتنة وزيادة جرعة تأجيج الانقسام المصري - المصري ليبدو الأمر وعلي غير الحقيقة صراعًا بين الإسلاميين المؤيدين للرئيس وبين المعارضين له، وتدخل مصر في حرب أهلية ، وهو ما سبق أن حذر منه كاتب السطور في نفس المكان قبل أسبوعين تحت عنوان »الآن رأيت الرئيس« حيث قلت بالحرف الواحد : بتنا بحق لا نعرف إن كانت دماء الصبية المخربين هي من فصيلة الألتراس الكروي الحقيقي لمجرد ارتدائهم »تي شيرتات« الأندية المختلفة عند طوافهم بمحيط ميدان التحرير وشارع محمد محمود بوسط القاهرة، مصرين علي التخريب وتحطيم المنشآت العامة والملكيات الخاصة والهجوم علي مقر وزارة الداخلية، والاشتباك مع قوات الأمن بالمولوتوف والحجارة باسم الثورة والثوار، أم أنها من فصيل المتشددين الدينيين لمجرد ظهور من يرتدون الجلباب الأبيض القصير، فيما تميز اللحي وجوههم، والذين يلتحمون مع الثوار السلميين لتبدو المصيبة أعظم. من المؤكد إن مصر تشتاق لحوار أبنائها والتقائهم عند ما يجمعهم علي حبها وأمنها واستقرارها، حتي وإن كانت هناك اختلافات أو خلافات سياسية أو أيديولوجية أو حتي دستورية - نسبة إلي الإعلان أو المسودة، وقد بادر الرئيس مرسي مساء الخميس الماضي بالدعوة إلي الحوار ظهر اليوم، فهل تصلي مصر العشاء وشعبها في وئام؟ This e-mail address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it