لم يكن من المحتمل الصبر علي الاستخفاف بمصر الداخل أكثر من ذلك ، فلا تعرف ان كانت الحكومة بالفعل مكبلة الأيدي عاجزة عن تحقيق التنمية المأمولة بفعل الإضرابات الفئوية المتناثرة في كل بقعة من بقاع المحروسة فتعطلت معها عجلة الانتاج عن الدوران، أم أننا فهمنا الديمقراطية وحرية التعبير خطأ، فكان ذلك دافعا لتجاوز البعض مع رجال الأمن، مما دعا أجهزته في بعضها المهم إلي التقاعس عن القيام بدور يطمئن الشارع ويحفظ له حياته، خاصة فى ظل انتشار أعمال البلطجة والتحرش والسطو المسلح وسرقة السيارات التى لا تستثنى "كبيرا" في الدولة المصرية ولا « صغيراً » ، ناهيك عن تقاعس هناك زاد معه الانفلات المروري، وبالتوازي ضعف إلتحام بعض أجهزة الشرطة مع المشاكل اليومية، دفع البعض منا لأن يتحسر ويترحم مرغما علي "أمن " العهد البائد وحكوماته الذي كان قانون الطوارئ يستر عورات الفساد فيها وفيه !!. ولا تعرف وللأسف - ان كانت التظاهرات السياسية ومليونيات «الجمع» العديدة، هي بدافع وطنى أو ديني بحق، أم إنها ذريعة لزعزعة استقرار البلاد، خاصة بعد أن أصبح كل من «هب ودب» ينظمها ويقودها ويدعو اليها.. من كان صاحب قضية أوصاحب "رزية"، من ينتمى إلى حزب وحركة سياسية لهما وجود فعلى.. ومن ينتمي إلى «ولى نعمته» فى السجن او في المهجر أو في دول الرايات الخضراء والسوداء والألوان الأخرى ذات المرامى الايديولوجية المتشددة والمخربة. بتنا بحق لا نعرف ان كانت دماء الصبية المخربين هي من فصيلة الأولتراس الكروي الحقيقي لمجرد ارتدائهم «تي شيرتات» الاندية المختلفة عند طوافهم بمحيط ميدان التحرير وشارع محمد محمود بوسط القاهرة، مصرين علي التخريب وتحطيم المنشآت العامة والملكيات الخاصة والهجوم علي مقر وزارة الداخلية والاشتباك مع قوات الامن بالمولوتوف والحجارة باسم الثورة والثوار، أم أنها من فصيلة المتشددين الدينيين لمجرد ظهور من يرتدون الجلباب الأبيض القصير، فيما تميز اللحي وجوههم، والذين يلتحمون مع الثوار السلميين لتبدو المصيبة أعظم، أم انها من فصيلة منسوبة إلى افراد الأمن والقوات المسلحة لمجرد تمويه البعض بارتداء الملابس المميزة للفريقين وهي بالمناسبة في متناول محلات معروفة بالاسم تبيعها لمن يشتري - حين يندسون بين المتظاهرين، مقترفين أعمال عنف وبلطجة فينسب إلى جهات الأمن زورا وبهتانا المشاركة في أعمال البلطجة والاشتباك المسلح!! كنا مع كل ذلك نحاول البحث عن بصيص من أمل ونقطة ضوء في آخر النفق، وعن مخرج لانقاذ "مصر الثورة" ، فكان الأمر ولاشك شاقا، خاصة في ظل إعلام ممنهج يثير البلبلة وانعدام الثقة عبر ضيوفه الذي يصفهم دون سواهم ب" النخبة"، تسير علي منواله منظمات مجتمع مدني مشبوهة فكرا وتمويلا، كلاهما كان يضغط بأدواته فى اتجاه ضياع أمل النهضة ، ولا ننكر انهم قد نجحوا إلا قليلا في « بدر بذور» الشك السامة في نفوس الشعب بفضائياتهم، خاصة بعد حصول قتلة الثوار وبعض منهم من رموز النظام السابق علي أحكام قضائية بالبراءة ، لتبدو ثورة 25 يناير في النهاية بكل أهدافها وطموحاتها وأمل المصريين فيها ، وكأنها مولد قام ثم انفض، فلا قضاء علي الفساد ، ولا هدم لبنية النظام السابق ولا ارساء فاعل لمبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية علي الارض، ولا تطهير للقضاء، زاد من مآسي المرحلة تتابع أحداث الأعمال الارهابية في سيناء دون حل ، بما حمل الرئيس مرسي وحكومة الدكتور قنديل الكثير من تبعات الوضع الراهن وسوءاته، وبالطبع فإن الشعب هنا معذور. كان الفيلسوف اليوناني أرسطو بين تلاميذه حين أشار إلى أحدهم قائلا له: " تكلم حتي أراك" ، ولعلي أعتفد جازما بأن الشعب بعد قرارات مرسي أول أمس قد رأي بالفعل رئيس مصر الجديدة، وكأنها المرة الأولي.