محافظ الإسماعيلية يتفقد موقع النصب التذكاري بجبل مريم (صور)    وزير الإسكان ومحافظ الشرقية يبدآن جولة تفقدية بعدد من مشروعات المياه والصرف    جرائم الصهاينة وتضحيات الأبطال    انطلاق اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة 34 في بغداد    مصر ضد المغرب.. الموعد والقناة الناقلة لمباراة نصف نهائي أمم أفريقيا للشباب    أموريم يتحمل تكاليف حضور عائلات جهاز مانشستر لنهائي الدوري الأوروبي    سون يتعرض لمحاولة ابتزاز من سيدة والشرطة تتدخل    حبس سائق المقطورة المتهم بدهس بطل كمال الأجسام في التجمع    نجل الفنان عبد الرحمن أبو زهرة: معاش والدي توقف بسبب شائعات وفاته    الكشف على 145 حالة خلال قافلة طبية في مدارس القليوبية    حكم قضائي جديد يخص طلاب الثانوية العامة| بماذا حكمت المحكمة؟    وزير الصحة يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الدولي ال13 لجامعة عين شمس    وزير خارجية تركيا: هناك فرصة لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا    حماس: المقاومة قادرة على إيلام الاحتلال ومستوطنيه فوق كل شبر من أرضنا    وفاة إسرائيلية متأثرة بإصابتها خلال عملية إطلاق نار في الضفة الغربية أمس    تفاصيل عودة اختبار السات SAT لطلاب الدبلومة الأمريكية بعد 4 سنوات من الإلغاء «القصة الكاملة»    لليوم الثاني.. 21 ألف طالب وطالبة يؤدون امتحانات الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالمنيا    أسعار الفراخ اليوم تنخفض على استحياء.. شوف بكام    كورتوا: سنواصل الإيمان بحظوظنا في الدوري حتى يصبح الأمر مستحيلًا رياضيًا    «فوازير»... شوبير ينتقد اتحاد الكرة ورابطة الأندية بسبب شكل الدوري    طوارئ في الأهلي قبل قرار لجنة التظلمات اليوم.. والزمالك وبيراميدز يهددان بالتصعيد    منتخب مصر للدراجات يقترب من التتويج بلقب البطولة الأفريقية    دوري سوبر السلة.. الأهلي يواجه الزمالك في ثاني مواجهات نصف النهائي    الحكومة تبحث وضع آلية محددة لتحصيل الرسوم من المنشآت الفندقية والسياحية    ضبط 45.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    طقس مائل للحرارة في شمال سيناء    اليوم.. طلاب الشهادة الابتدائية الأزهرية يؤدون امتحان الدراسات الاجتماعية في الإسكندرية    تشغيل قطارات إضافية بمناسبة عيد الأضحى.. السكة الحديد تعلن التفاصيل والمواعيد    أولى جلسات محاكمة نجل الفنان محمد رمضان.. بعد قليل    النقض تخفف عقوبة ربة منزل وعشيقها بقتل زوجها    نزع ملكية عقارات 3 مدارس في 3 محافظات    الليلة.. عرض فيلم الممر ضمن فعاليات منتدى ناصر الدولي    قبل افتتاح المتحف المصري الكبير.. ما هي أبرز الجوائز التي حصل عليها؟    بهذه الكلمات.. كندة علوش تهنئ أصالة ب عيد ميلادها    محمد البهي رئيس لجنة الضرائب: التسهيلات الضريبية في صالح الصناع..    جامعة بنها تواصل قوافلها الطبية بمدارس القليوبية    لابيد: ترامب سئم من نتنياهو والسعودية حلّت محل إسرائيل كحليف لأمريكا    السيطرة على حريق شب في ثلاثة منازل بسوهاج    ترامب: بايدن أسوأ رئيس للولايات المتحدة.. ولدينا أقوى جيش في العالم    تعرف على مدة إجازة رعاية الطفل وفقا للقانون    آيزنكوت: الصراع مع حماس سيستمر لفترة طويلة والنصر الكامل شعار غير واقعي    وزيرة البيئة تبحث مع المقاولون العرب التعاون فى مجال إعادة تدوير مخلفات الهدم والبناء    الصحة تنظم مؤتمرا طبيا وتوعويا لأهمية الاكتشاف المبكر لمرض الثلاسميا    أمين عام الناتو: لدينا تفاؤل حذر بشأن تحقيق تقدم فى مفاوضات السلام بأوكرانيا    هانئ مباشر يكتب: بعد عسر يسر    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 15 مايو 2025    تباين آراء الملاك والمستأجرين حول تعديل قانون الإيجار القديم    نماذج امتحانات الصف الخامس الابتدائي pdf الترم الثاني جميع المواد التعليمية (صور)    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    ريهام عبد الحكيم تُحيي تراث كوكب الشرق على المسرح الكبير بدار الأوبرا    من بينهما برج مليار% كتوم وغامض وحويط.. اعرف نسبة الكتمان في برجك (فيديو)    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة عابرة في الملتقى الدولي للرواية تكشف : ألتراس الثقافة.. يدمر الثقافة !
نشر في المسائية يوم 15 - 03 - 2015

كل المثقفين تحمسوا لمنح الجائزة لبهاء طاهر ..إلا بهاء طاهر !
لو قرأت سلطات مبارك الروايات بدلا من التقارير الأمنية لأدركت أن هناك ثورة آتية !
وزارة التلقين وراء ازدهارثقافة الفشار مثلما كانت سببا في انتشار التطرف الديني
علينا أن نتأمل بموضوعية سؤال سهير المصادفة الصادم : عن ماذا أكتب إن لم يكن في الجنس والدين والسياسة ؟!
محمد القصبي
لم يسبق لي أن قرأت هذا الشعور بالرضا على الوجوه في أي حفل لإعلان إسم فائز بجائزة ثقافية ..دوما تتفت المشاعر بين الرضا والغضب والسخط والإحباط ..
مساء الأربعاء الماضي حين أعلن الكاتب الجزائري واسيني الأعرج عن فوز الكاتب الكبير بهاء طاهر بجائزة ملتقى القاهرة الدولي السادس للرواية العربية ..ضجت قاعة المسرح الصغير بدار الأوبرا بتصفيق حاد للمئات من المثقفين المصريين والعرب ..بدا الكل مباركا لهذا الاختيار ..الوحيد الذي أظهر شيئا من التردد ..بهاءطاهر نفسه ..حيث أبدى أمنية بأن تذهب الجائزة لأي من روائيينا الشباب المتميزين في فن الحكي ..او على الأقل تعطى مناصفة بينه وبين روائي شاب ..فصحت من مقعدي بالخلف أنها بالفعل ذهبت للشاب بهاء طاهر وعلينا أن نختار روائيا عجوزا ليشاطره الجائزة ..! لتضج القاعة بالضحك .
وهو اختيار يأتي في الوقت الذي نحتفل فيه بثمانينية الشاب بهاء طاهر الذي ولد في 13يناير عام 1935 ..فهنيئا له وللثقافة المصرية والعربية بهذه الجائزة الرفيعة .
وأظن أن مفتتح ومختتم الملتقى وغياب وزير الثقافة الجديد عن المناسبتين دون مبررقوي ! نال تغطية وافية من قبل وسائل الإعلام ..وهذا حال المؤتمرات الثقافية ..استقطاب هائل للرسميين والإعلاميين في الافتتاح والختام ..ولاشيء بينهما ..رغم أن ما بينهما هو الأهم ..الأبحاث والحوارات والجدل حول القضايا الساخنة ..وهذا الذي بينهما كان مثار اهتمامي عبر الأيام الأربعة للملتقى .
وكانت أكثر القضايا التي جذبتني تلك التي أثيرت حول ظاهرة الرواية الرائجة في واحدة من الموائد المستديرة التي نظمت خلال الملتقى
ولقد ألح علي تعبيرها ..وأنا أمضي في طريقي نحو محطة الأوبرا لأستقل المترو عقب انتهاء النقاش ..ليس هذا بالتعبير الذي ينبغي أن أنقشه على أوراقي سريعا خوفا من النسيان ..الذاكرة لايمكن أن تفرط ..في تعبير مثل هذا..
" ألتراس ثقافي " ..
لقد انسل التعبير من بين شفتي الناقدة الدكتورة أماني فؤاد خلال الحوارات بشكل عفوي ..وكأنه نتاج اللحظة ..وهذا أمر لا يثير دهشتي مع متابعتي لتلك المثقفة الكبيرة المجيش دماغها وخيالها ومرجعيتها المعرفية على مدار الساعة استهلاكا للثقافة وتفاعلا وانتاجا وإبداعا ..وكثيرا ماتنبثق دواخلها عن اشتقاقات كهذه "ألتراس ثقافي " ..
وماتعنيه.. أن الإصدارات "الشبابية " الجديدة تشكل دور النشر التي تصدرها ومؤلفوها ألتراسات على الفيس بوك للضغط على أدمغة الشباب ..من خلال التمجيد في هذه الروايات ..فلايكون أمام الشباب سبيل سوى شرائها !
المائدة المستديرةالتي تناولت القضية من كافة جوانبها كانت مساء الثلاثاء الماضي ..صباح الأربعاء هاتفت الدكتورة أماني : أهذا مصطلحك ..؟
فقالت : لا..بل رأيته على الفيس بوك ..شباب لايعجبهم ما يجري ..فاتهموا دور النشر والمؤلفين بتشكيل ألتراسات شبيهة بألتراسات الأندية ..للترويج لهذه الروايات !
لقد روعني التعبير "ألتراس الثقافة" ..وقد تداعت
في ذاكرتي الكوارث التي تسببت فيها ألتراسات الأندية..غارات على مقر اتحاد الكرة في الجبلاية وتخريبه .. مشاحنات بين ألتراسات الأهلي والمصري غابت الحكمة عن الأجهزة الأمنية في التعامل معها فانتهت بمذبحة في ستاد بور سعيد أودت بحياة 74شابا ..غارات على مقر نادي الزمالك .. التآمر مع جماعة الإخوان خلال مباراة الزمالك وانبي باستاد الدفاع الجوي يوم 8فبراير الماضي لإحداث شغب انتهى بمجزرة قتل فيها 22شابا ..مما تسبب في تأجيل مسابقة الدوري..ألتراس الأندية أدى إلى كراهية المصريين للعبة التي يعشقونها ..كرة القدم ..فهل تؤدي ألتراسات الثقافة إلى تدمير الثقافة ؟
وألتراسات الثقافة ..ليست فقط للترويج لروايات شبابية تثير الكثير من التساؤلات حول متانة بنيتها الفنية وجمالياتها ..بل تلك الألتراسات موجودة في مواطن ثقافية أخرى ..على الفيس بوك كثيرا ما استخدم الكبار الشباب الموالين لهم ل"تجميلهم " وتشويه " الأعداء " وهذا ما يحدث الآن عشية انتخابات اتحاد الكتاب ..حيث تتبادل الألتراسات الاتهامات بالفساد!! ..ويردد البعض أن أحد الألتراسات الثقافية داخل الاتحاد كانت وراء منح إحدى جوائز الاتحاد المهمة لمن لايستحق ..والموضوع الآن محل تحقيق..حسبما علمت .
وانتخابات اتحاد الكتاب التي ستجرى يوم الجمعة المقبلة ..المحرك الأساسي لها الشللية والتربيطات والألتراسات التي تتولى الدعاية والترويج لفريق بعينه ..وكلها ..الشلل والتربيطات والألتراسات لاتتأسس على رؤى وتوجهات فكرية ..بما يليق ببيت مثقفي مصر ..بل على المصالح والعصبية الأقليمية .."صعايدة وبحاروة " .. وآخر النكات الهزلية ..ماسمعته من بعض المثقفين في أروقة مؤتمر الرواية أن "كتاب " الأسكندرية سيمنحون أصواتهم لمرشحي الصعيد ..
هكذا يجرى المثقفون في الدولة التي أهدت البشرية نور المعرفة منذ 7ألاف سنة !!!!!! تحت شعار صعايدة وبحاروة
وكان الاتهام الذي يوجه لوزارة الثقافة عبر عقود أنها في أنشطتها وتسكين المناصب القيادية ..تتكيء على الشللية ..فثمة ألتراسات ..تدعو لهذا ..وتذبح ذاك ..مما ينجم عنه إسناد المناصب ومطبوعات الوزارة إلى من هوغير جديربها ..وبالتالي انتشار الفساد .
ليست منقذا
وعودة إلى ظاهرة الرواية الرائجة التي حظيت بمناقشات مستفيضة شارك فيها كتاب بارزون مثل سلوى بكر ..د. أماني فؤاد ..الناقد الكبير حسين حمودة .. الناقد المعروف سيد الوكيل ..الكاتب مصطفى عبد الله رئيس تحرير صحيفة أخبار الأدب الأسبق ..الكاتب محمد الشافعي رئيس تحرير مجلة الهلال السابق ..والكاتبة ابتهال سالم ..الكاتبة منى الشيمي ..وآخرون ..
مناديل ورقية !
وبداية ترسم د.أماني ملامح الرواية الرائجة في :
كونها تتمحور في سهولة التناول ، سرعة الفهم ، لغتها شبة تقريرية تعالج في معظم موضوعاتها الغرائز لا القيم الوجودية والفلسفية سريعة الاستهلاك ومن ثم ينتهى المتلقي منها سريعا ويحتاج المستهلك أو القارئ لما بعدها من نصوص وهو مايدير ماكينات طباعة دور النشر ويروج للمبدعين أنصاف المواهب والقراء الباحثين عن وجبات سريعة للتسلية ودغدغة المشاعر ، على الغالب تشبه الرواية البيست سيلر المناديل الورقية التي تستخدم لمرة واحدة لا المناديل الحريرية التي تبقى زمنا ويستمر جمالها متدفقا.
وغالبا ما تلعب موضوعات الرواية الرائجة على التبوهات الثلاثة الجنس والدين والسياسة وهي ما تشبه المسلسلات الدرامية التركية والمكسيكية
والكثير يباركون ماتراه د.أماني هوية الرواية الرائجة ..وهي رؤية صحيحة..لكن بعضهم تجنب التعامل مع هؤلاء الروائيين بقسوة ..والمطالبة بلفظهم من المشهد الإبداعي ..
بل أن البعض رأى في الرواية الرائجة مظهرا إيجابيا رغم سلبياتها ..فهي أعادت برواجها القراء إلى الفن الروائي ..وكما نعرف المطبوعات الأدبية ..رواية وقصة وشعرا ونقدا أصبحت تعاني من الكسا د !
ويرى أصحاب هذا الرأى بأنه بمرور الوقت ومن خلال الرواية الرائجة ستتسع مساحة التلقي للأدب بكل فنونه بشكل عام ..أي أنها المنقذ للأدب من حالة الكساد التي يعاني منها ..وفي محاولة ل"دمج " كتاب الرواية الرائجة في المشهد الإبداعي بحيث لايكونون مجرد جزيرة منعزلة طالبت الكاتبة منى الشيمي بتنظيم ورش لهؤلاء الكتاب الشباب في فن كتابة الرواية " ..وبدا المقترح وجيها من وجهة نظر بعض المشاركين ..ولاأرى ما يرون ..فلدى بعض هؤلاء المؤلفين من كتاب الرواية الرائجة ..شعور متعاظم بأنهم الأفضل ..فكيف يمكن مطالبتهم بأن يأتوا إلى ورش ليتعلموا فن كتابة الرواية من الروائيين الكبار الضالعين في هذا الفن ؟!!!
بل ليس بمستبعد أن يطالب هؤلا الشباب بالنقيض !!!!!!
مسلسلات الصابون
قبل بدء الندوة وزعت علينا ورقة استرشادية حول الرواية الرائجة ..أظن أن كاتبها هو الناقد الدكتور خيري دومة ..يقول فيها إن هذا النوع من الروايات ازدهر في السنوات الأخيرة ..وخلال كلمتي أبديت رأيا مخالفا ..هذا النوع من الروايات يمتد في تربة تاريخنا الحديث عشرات السنين .. ورائده من وجهة نظري جورجي زيدان .. حتى روايات إحسان عبد القدوس كان الكثير من النقاد يبدون تحفظهم تجاهها ..لذلك لم تحظ باهتمام نقدي كبير ..لكن الجديد الآن هو المصطلح ..الرواية الرائجة ..وهو تعبير تجاري ..سلعي .. ومن وجهة نظري اراه مرادفا إلى حد كبير لمصطلح سينما المقاولات في الفن السابع ..وكلاهما يندرج تحت ثقافة الفشار التي انتشرت وسادت ..وأدت إلى انهيار الذوق العام .
وأظن أن التربة التي طفحت بالرواية الرائجة وبكل أشكال ثقافة الفشار هي ذاتها التي طفحت بالفكر الإرهابي ..هذه التربة هي التعليم التلقيني ..نحن لدينا وزارة للتلقين وليس للتعليم ..وزارة لاتتعامل مع الكيان الإنساني إلا من خلال جزئية صغيرة ..وهي الذاكرة ..مع تجاهل تام للوجدان وملكة التفكير ..حتى في جامعاتنا الآن ..انتشرت ظاهرة الملزمات ..ملزمة يضعها الدكتور أو المعيد من عشرين صفحة ..يكفي للطالب أن يحفظها ليلة الامتحان ليتقيأ مافيها صباحا في ورقة الإجابات لينجح ..طالب مثل هذا هل يملك وجدانا يتذوق الإبداع الجميل ؟ أو دماغا يفكر ويحلل ويستنبط وينتهي بأسئلة يلهث بين المكتبات ومصادر المعرفة بحثا عن إجابات لها لا ليطمئن قلبه فيهدأ ويستكين ..بل يخضعها لمعامل التفكير والتحليل بدماغه لينتهي مجددا بأسئلة يعود ليبحث عن إجابات لها ؟ هل تعليمنا التلقيني يقدم للمجتمع مثل هذا الطالب ؟ .."حتى حصص الرسم والمطالعة الحرة أظنها انقرضت من مدارسنا" ..! خريج مثل هذا النوع من التعليم سيبحث عن الثقافة الأسهل ..ثقافة الفشار ..التي تشبع نهمه للتسلية ..والرواية الرائجة ..الكثير منها يحقق لهذا الخريج هذا الإشباع ..فهي تهتم ب" ماذا " ..ماذا يحدث ؟ ولكي تكون شديدة الجاذبية ..فهي تخوض في التابوهات الثلاثة ..الجنس – الدين – السياسة ..ولاعيب في هذا ..لكن العيب في الإجابة على سؤال واحد : ماذا حدث ؟ دون الاهتمام بسؤال آخر: لماذا ؟ التجذير للدوافع الإنسانية للحدث ..وبالتالي تعميق الشخصيات ..فلا أدب بدون لماذا ؟ ولأن المنظومة التعليمية عاجزة عن تقديم خريجين يحظون بوجدان شديد الحساسية للفن الجميل و تتأجج لديهم شهوة المعرفة ..فلا أظن أن نصيحة الشافعي باستنساخ آليات انتشار الرواية الرائجة لتسويق الأدب الجيد يمكن أن تصلح ما أفسده التعليم التلقيني لأن قاريء الأدب الجيد في الأصل غير موجود ..!
مسلسلات أوبرا الصابون
وخلال مشاركتي في النقاش ذكرت الحضور بشيء من الجدل الذي أثارته رواية عمارة يعقوبيان للكاتب علاء الأسواني ..
فحين عرض فيلم "عمارة يعقوبيان " في دور العرض البريطانية عام 2008 ..كتب الناقد الإنجليزي سكوديف ساندو في جريدة الديلي تلجراف عن الرواية و الفيلم ..حيث قال :" الرواية تعاملت مع مواضيع حساسة مثل قمع الشرطة والفساد السياسي والشذوذ الجنسي، إلا أنها تعاملت مع الشخصيات عادة بدرجة واحدة من الخفة والإطالة حتى أنها جاءت على شاكلة مسلسلات "أوبرا الصابون". ونفس الشئ يمكن قوله بالنسبة للمعالجة السينمائية التي رغم التصوير البارع لسميح سالم، لم تتمكن أبدا من التنسيق الكامل بين الحكايات المزدحمة للسكان المتنوعين في عمارة سكنية في القاهرة "
ومن وجهة نظري كقاريء أن عمارة يعقوبيان نموذج صارخ للرواية الرائجة التي نجح الناشر وبمساعدة ألتراس ثقافي من أصدقائه وأصدقاء المؤلف في وسائل الإعلام ..وأيضا من خلال ألاعيب النشر ..في تسويقها لدى الشارع المصري ..بل وخارج الجغرافية العربية عبر الترجمة إلى العديد من اللغات ..وكما قال "ساندو "فهي تشبه مسلسلات أوبرا الصابون ..وهي المسلسلات التي اشتق إسمها من إعلانات الصابون التي تبث عبر القنوات التليفزيونية نهارا ..لربات البيوت !! وهذا حال مسلسلات أوبرا الصابون تبث أيضا نهارا لربات البيوت !
أوهام الترجمة والأكثر مبيعا
فماذا عن حجة المتحمسين لهذه الرواية وكل الروايات التي تنتمي لما يسمى بالرواية الرائجة ..أنها تترجم إلى العديد من اللغات ؟
هذا الذي يقال أثار حفيظة الكاتب محمد الشافعي ورد عليه من خلال تجربته ..حين سافر إلى باريس ثلاث مرات ..لكنه يحاول التجذير لظاهرة الرواية الرائجة حين قال : رواج أي رواية لايعني أنها جيدة ..وهناك معياران في هذا الشأن ..عدد الطبعات والترجمة للغات الأجنبية ..أما عن عدد الطبعات فإنني أتحدى أي دار نشر أن تعلن عن العدد الحقيقي للنسخ التي طبعتها ..كما أن هناك طبعات محروقة ..أي يقول الناشر مثلا أنه أصدر الطبعة الثامنة ..وبعدها بشهر يقول إنه أصدر الطبعة الرابعة عشرة !!!!أي أن هناك طبعات لم تصدر بالفعل ..أما بالنسبة للترجمة ..فخلال زياراتي الثلاث لباريس كنت دائما أحرص أن أتجول في المكتبات مع أصدقاء مقيمين هناك ويعرفون المدينة جيدا لأسأل عن كتب لأي من كتابنا الذي قيل أنها ترجمت لعشرات اللغات فلاأجد .
ومايقوله الشافعي حدث معي في لندن ..وكنت بصحبة أحد الصحفيين العمانيين الذي يعرف العاصمة البريطانية جيدا ..وأخذني في جولة بين بعض المكتبات ..وسألت عن بعض الأعمال لأي من مشاهيرنا ..لم أجد ..إن مايقال عن ترجمة أعمال لكتابنا ..هو صحيح ..لكن الترجمة عادة تتم من خلال أقسام الدراسات العربية والإسلامية والشرقية في الجامعات ..والهدف الدراسة ..لكن هذا لايمنع أن أعمالا ترجمت وانتشرت كأعمال نجيب محفوظ والغيطاني .. إلا أن أيضا ثمة عاملا مهم نوها إليه الشافعي أنهم في الغرب شغوفون بمعرفة بعض العادات والتقاليد الاجتماعية التي تبدو بالنسبة لهم غريبة ومثيرة كفكرة الخباء !!
كسر التابوهات الثلاثة
وعذرا إن كنت قد أطلت الحديث عن المائدة المستديرة للرواية الرائجة ..فهو أحد القضايا الأكثر أهمية ..وأحسن المنظمون للمؤتمر حين أخضعوها للبحث ..
وبالطبع ثمة قضايا أخرى مهمة ..فإن كان المشاركون في المائدة المستديرة قد أشاروا إلى أن التيمات السائدة في الرواية الرائجة هي التابوهات الثلاثة الجنس والدين والسياسة ..فلدينا كاتبة مهمة هي الروائية والشاعرة سهير المصادفة تسأل في بحثها "القمع والحرية" عن ماذا أكتب إن لم أكتب في الجنس والدين والسياسة ..؟
وتقول إن ما يسمى بالتابوهات الثلاثة هو محور الوجود ..وهو سؤال الكون الأكبر ببساطة هو الكتابة وليست الحرية أو التمرد في الكتابة..وإذا ما اخترنا أبسط حكايات البشرية شريطة أن تتوافر فيها مقومات الحكاية فسنجدها لاتخلو من الدين أوالسياسة أو الجنس
..وتواصل المصادفة طرح تساؤلاتها الموجعة : "..وإذا لم أكتب عن مشاعري إزاء غروب مفردات تفوقي ومساهمتي في تقدم مسيرة البشرية ..عن ماذا أكتب إذا لم أصف كل هذا الخراب فأكسر تابوه السياسة ؟أنا عربية أنارت حضارتها ذات يوم ظلمات أوربا وعلى أن أعيش أفولها الآن ،أنا أيضا إبنة حضارة فرعونية كانت مهد الحضارات ذات يوم لم يتبق منها شيء إلا آثاراستثنائية نشاهدها بدهشة وننتظر أن يفك شفرتها الحضارية الأغراب فأكسر تابوه الدين وأنا أرصد سر تخلفنا وغلظتنا، عن ماذا أكتب إذا لم أكتب عن جسدي الذي لاأعرف مكانا تسكنه الروح حتى هذه اللحظة سواه وأنا أعمل به وأشعر به وأرى العالم كله به وأصلي أيضا به ؟
إذا هو تحريض من قبل سهير المصادفة على كسر التابوهات الثلاثة ..وهو تحريض إيجابي ..لكن المهم ألا يكون الاحتفاء بعملية كسر التابوهات الثلاثة على حساب جماليات الأدب .
لو قرأت السلطات
يعد الكثير من النقاد والقراء رواية أجنحة الفراشة للكاتب الكبير محمد سلماوي من الروايات التي تنبأت بثورة 25يناير .. ..وخلال استطلاع لجريدة المساء حول الأعمال الأدبية التي تنبأت بثورة يناير أشار الناقد ربيع مفتاح إلى "أجنحة الفراشة " وكتاب "الشهاب" للناقد الكبير الدكتور حامد أبو أحمد وروايتي "عراف السيدة الأولى " التي صدرت عن نادي القصة 2001..وفي هذا الشان نوه الكاتب الكبير محمد سلماوي خلال شهادته في الملتقى حول "أجنحة الفراشة " إلى ماقاله الكاتب الصحفي عبد الرحمن الراشد في عموده اليومي بجريدة الشرق الأوسط ..وكانت ثورة يناير مازالت في بدايتها :لو أن السلطات في مصر كانت تقرأ الروايات بدلا من التقارير الأمنية لوفرت على نفسها الكثير مما حدث لها في ميدان التحرير.
فهل صحيح أن الأدب يتنبأ بما هو آت؟..وما علاقة الأدب بالثورة أصلا؟ أسئلة طرحها سلماوي في شهادته ..وقال في محاولة للإجابة عليها :الأدب والثورة متلازمان ،فالأدب ماهو إلا ثورة على الواقع ..
وقال أيضا :الكاتب يكتب كي يحدث ذلك التغيير الجذري الذي تطمح إليه الثورات ..وإذا كانت الثورات قد غيرت المجتمعات فكم من الكتب غيرت وجه الحياة..بل أن الأدب عادة ما يستبق الثورة ،فالأدب هو وقود الثورة وبدونه قد يصعب قيام الثورة لأنه ينقد الحاضر مستشرفا المستقبل .
لكن أحيانا بل غالبا ..إن لم يكن دائما .. تنبيه الكاتب عبر وسائطه الفنية إلى التغيير قد يثير دهشة القاريء ..ويرى ما أتى به الكاتب غريبا .. لذا توقفت أمام استهلالية الكاتب أحمد عبد اللطيف لبحثه" الرواية الغريبة ..طارق إمام نموذجا " ..ففي تلك الاستهلالية يشير إلى ما قاله الكاتب الأسباني الشهير خوان مياس أن أحد القراء عبر له عن إعجابه بروايته الجديدة وختم كلامه بأنها رواية غريبة جدا ..مياس لم يجد ردا على القاريء لكنه تساءل : كيف يمكن أن تكون الرواية رواية إن لم تكن غريبة ؟
نعم ..ما قد يبدو غريبا أمام القاريء وهو يقرأه في رواية اليوم ..ليس مستبعدا أن يكون واقعا وحقيقة في الغد .. لذا أضم صوتي إلى صوت عبد الرحمن الراشد بأن تقرا السلطات –في أي بلد وليس مصر وحدها –الروايات وليس التقارير الأمنية ..ولاتستخف بما تراه غريبا وغير واقعي اليوم ..فغدا قد يحدث !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.