لأول مرة ومنذ عقود طويلة نشعر أن في مصر وزارة للتربية والتعليم وأن الدولة مهمومة عن جد بمستقبل التعليم بداية من المرحلة الابتدائية وانتهاءً بالتعليم الجامعي. بداية إبعد عن الدستور ومواده المعنية بالأمر مؤقتا، وتابع معي جهد الدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم في حكومة الدكتور الببلاوي وتسليمه طلاب مدارس ست محافظات حدودية 35 ألف جهاز"تابلت" يجمع كل المناهج المقررة ضمن خطة موسعة للوزارة لتطوير التعليم كدفعة أولي تتلوها مستقبلا ربما وقبل انتهاء العام الدراسي الحالي دفعات أخري لبقية مدارس محافظات الجمهورية في دلالة واضحة علي نية الدولة هذه المرة الارتقاء معرفيا بطلاب ما قبل التعليم الجامعي، والشواهد موجودة. ثم عد معي إلي خطة وزارة التربية والتعليم في وضع حد لأمية تلاميذ المرحلة الابتدائية في القراءة والكتابة، والتي بدأ تنفيذها بالفعل بعد الاهتمام اللامحدود بالصفوف" أولي وتانية وتالتة ابتدائي"، في القري والنجوع وبعض المحافظات النائية لمنع تسربهم من التعليم والتركيز عي حسن تعليمهم وترغيبهم في الاستمرار في التعليم سواء من خلال زيادة ايام تسليمهم وجبات التغذية، أو من خلال دفع اولياء أمورهم لحثهم علي التعلم بالوعد بصرف مقررات تموينية اضافية شهريا بحسب تصريحات الوزير مؤخرا لاذاعة البرنامج العام مساء الخميس الماضي، والتي أعلن خلالها عن تضمين مناهج الثانوي للوافد الجديد المعروف بالنانو التكنولوجي، فضلا عن الوعد بانتهاج استراتيجية جديدة للتعليم قدمها بالفعل للرئيس عدلي منصور الاثنين الماضي، أعقبها مؤتمر صحفي بشر خلاله بمستقبل واعد ومختلف للتعليم الإلزامي . الذين سبقونا بمسافات وكما هو واضح ايقنوا منذ زمن بعيد أنه لا مستقبل ولا تنمية حقيقية دون تعليم متميز وبحث علمي تعترف به المحافل الدولية،وبخاصة في العلوم الأساسية كما أدركوا أنه بدون توفير ميزانية معتبرة فلا حديث عن الاثنين،، من هنا نص دستور تايوان مثلا علي تخصيص نسبة ضخمة من الميزانية لتدريس هذه العلوم، كذلك عندما اكتشف كنيدي أن الاتحاد السوفيتي قد أطلق قمرا صناعيا يدور حول الكرة الأرضية، وأن السبب في هذا السبق هو ارتفاع مستوي الطلبة السوفييت في الرياضيات والفيزياء، طالب ببرنامج قاس للارتقاء بمستوي تعليم العلوم الأساسية وتعميق مفاهيمها، نفس الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فعندما اكتشف بوش" الأب" حدة المنافسة التي تلقاها السلع الأمريكية من السلع اليايانية، طالب ببرنامج سماه " أمة في خطر" نادي من خلاله بتعميق برنامج تدريب الرياضيات والفيزياء والبيولوجيا لطلبة المدارس.أما في مصر فعندما نراجع تصريحات وزراء عهد الرئيس الأسبق مبارك نجد الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم الأسبق، يعد في تسعينيات القرن الماضي بمشروع قومي للتعليم، فإذا بنا لم نر شيئا قوميا ولا وطنيا وإنما بروباجندا إعلامية مخدومة بإتقان، اتقنها بعده الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي في حكومة الدكتور نظيف بتصريحات رنانة علي شاكلة: " إننا سنعمل علي تنفيذ سياسة وطنية للعلوم والتكنولوجيا لخدمة الاقتصاد القائم علي المعرفة" ثم خرج من الوزارة دون أن نري اثرا لهذه السياسة التكنولوجية، اللهم إلا من زيادة التسرب من التعليم، وانهيار مستوي المتعلمين في القراءة والكتابة في عهد الأول، ثم انحدار مستوي التعليم الجامعي علما وخلقا فأصبح هما قوميا في عهد الثاني نعاني منه حتي اليوم، وإذا سألت عن السبب، فلن تعدم الوقوف عند ناصية الحقيقة المرة، وهي أن الدولة المصرية لم تكن تحترم لا التعليم ولاالبحث العلمي فتوفر لهما الميزانية التي ترتقي بهما كما ينبغي!! استراتيجية وزير التربية والتعليم التي قدمها للرئيس منصور الاثنين الماضي، ومن بينها ضماناته بأن يكون لكل طالب " ديسك" في فصله اعتبارا من العام الدراسي المقبل، وبناء عشرة آلاف مدرسة جديدة- كبداية- خلال هذا العام لاستيعاب الكثافة الطلابية، فضلا عن بناء مدارس الفصل الواحد في قري ونجوع مصر، وإعادة تأهيل المعلمين وزيادة حوافزهم المادية بما يضاعف من دخلهم الشهري ويضمن حياة رغدة لهم تدفعهم نحو مزيد من العطاء، يدلل علي ما وصفته في بداية المقال بشواهد التحول المنتظر في السياسة التعليمية والذي ضمنه مشروع دستور 2014 في نص المادة 19، من التزام الدولة بتخصيص نسبة من الانفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن ٪4من الناتج القومي الاجمالي- كانت في السابق ٪9 تتصاعد تدريجيا حتي تتفق مع المعدلات العالمية. دستور مصر الجديدة علي هذا النحو من التقدير للتعليم الأساسي ، يجعلنا مطمئنين علي مستقبل الاجيال القادمة، بما يدعونا ،والحال كذلك- لدعم مشروعه ب" نعم" يوم الاستفتاء عليه كأحد أهم استحقاقات ثورتي 25 يناير و30 يونيه. This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.