شواهد المصحف والملهي حتي وان واجه الرئيس الامريكي باراك أوباما حملة شرسة من جماعات سياسية وأصولية أشرس، هدفها حين تبالغ في الادعاء بأنه مسلم يخفي اسلامه، أن تحرمه من الفوز بفترة ولاية ثانية، لدرجة أن واحدا من كل أربعة أمريكيين أصبحوا يعتقدون بصدق ذلك الاعتقاد، إلا أن أحدا لن ينكر أن أوباما حين استنكر اعلان قس أمريكي متطرف حرق نسخ من المصحف، كان براجماتيا، يضع مصالح شعبه وأمنه في الداخل والخارج ضمن أولويات أجندة حكمه، وليس من أجل الدفاع عن الاسلام أو الدين الاسلامي، ومن يعيد قراءة تصريحاته لن يستعصي عليه ادراك ذلك بسهولة. فحين يقول اوباما إن الاقدام علي حرق المصحف يعرض الجنود الامريكيين في أفغانستان والعراق للخطر، ويهدد مصالح الامريكان، ويؤدي لاثارة الفتنة ما يصب في مصلحة تنظيم القاعدة، فهو هنا لا يدافع عن الاسلام، إنما عن مصالح بلاده حتي وإن أعلن أنه لا حرب مع الاسلام إنما مع تنظيم القاعدة، وعلي هذا النحو من الهلع مارست الادارة الامريكية ضغوطا علي القس الاحمق، لتأمين سلامة مواطنيها في الخارج ،و مصالحها في العالم الاسلامي. يقيني أنه لو لم تكن لواشنطن مصالح في المنطقة تخشي عليها، ما طرفت لها عين، بل وربما غضت الطرف شأنها في ذلك شأن أوروبا المسيحية عن الاعتداء علي كل ما هو مقدس عند المسلمين، وما انبري أوباما يدافع عن الاسلام ومقدساته، دليلي في ذلك ما أقدمت عليه أسبانيا المسيحية مؤخرا، حيث لا مصالح تخشي عليها لدي العالم الاسلامي، حين غضت الطرف عن اهانة الرموز الدينية الاسلامية، وسمحت بانشاء ملهي ليلي باحدي مدنها، يحمل اسم مكة، تصميمه الخارجي بحسب صورته المنشورة بالمواقع الالكترونية، مطابق لشكل مسجد تعلوه قبة خضراء، يحتوي من الداخل علي أقواس بنمط الهندسة الاسلامية العربية، مما استفز المشاعر الدينية لأكثر من مليون ونصف المليون مسلم يعيشون هناك، خاصة أن الملهي تم افتتاحه في شهر رمضان، أي قبل أيام، ورغم ذلك لم يستنكر ملك أسبانيا خوان كارلوس الذي مكث الاسلام في بلاده ثمانية عقود قبل أن تسقط غرناطة آخر قلاع المسلمين في أسبانيا عام 1492، ومعها سقوط صرح الامة الاندلسية الديني والاجتماعي، وتبدد تراثها الاسلامي، ولم يعتذر رئيس وزرائها لويس ثاباتيرو عن الاهانة، أو الاستهانة بالمشاعر الدينية للمسلمين، بازدراء البلد الذي يسكن به المسجد الحرام، قبلة المسلمين في كل أنحاء العالم، مكة التي تعطرت بنزول القرآن علي أرضها، حين نزل علي أشرف الخلق سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الوحي لأول مرة. أعود لأكرر القول، لم تشجب ادارة مدريد المسيحية كما فعلت واشنطن ذات نفس الاعتقاد الديني، ولم يندد كارلوس بانشاء الملهي من البداية، ولا عند افتتاحه كما فعل أوباما عند تهديد القس المخبول بحرق نسخ من المصحف، لماذا ؟.. لأن المصالح وأمن المواطنين في الداخل والخارج هو الذي يحكم سياسات الدول ليس أكثر، أما الحديث عن احترام الاديان، ونبذ التعصب، والالتزام بمواثيق حقوق الانسان، وحرية الاعتقاد، وحوار الحضارات ،وتقارب الاديان، ورفض التصرفات التي تغذي مشاعر الكراهية والعنف والتمييز العنصري، فلا تمارس بنودها ومواثيقها إلا علي دول المنطقة وشعوب العالم الاسلامي. ولعل المظاهرات الافغانية تحديدا، والتي خرجت قبل أيام بآلاف في شوارع العاصمة كابول تندد بتهديدات القس الموتور، رافعة لافتات " الموت لأمريكا"، مطالبة بسحب القوات الأجنبية من أفغانستان، ما أربك الحسابات الامريكية، حسب ما أكد عليه مؤخرا قائد قوات حلف شمال الاطلنطي بتعرض قوات التحالف في أفغانستان للخطر ،هو ما كان يتحسبه اوباما، ويخشي عواقبه حين ندد وقال ما قال غيرة علي بلاده ومصالحها، وليس علي الاسلام أو المسلمين. وإذا كانت مراعاة الدين عند ماكيافيلي في كتابه " الامير"، هو سر عظمة الجمهوريات- او الامم- وأن اهماله هو علة دمارها،فإن غضبة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم،منهم عدة ملايين في أوروبا وأمريكا، لن تطيقها دول الغرب المسيحي، اذا استمرأت استفزازهم بازدراء الاسلام ورسوله ومصحفه، ومقدساته في مكة والقدس بين لحظة وأخري، بما ينذر الاصرار عليه لاحقا بكارثة كبيرة قد تدخل العالم في حروب دينية، لم يغفل الاشارة اليها هنري كيسينجر وزير خارجية أمريكا الاسبق. أما عن رد الفعل الرسمي، فخيرا فعلت مصر حين اعترضت الدولة قبل المؤسسات، علي التهديد بحرق المصحف، فطالبت من خلال مندوبها الدائم في الاممالمتحدة، مجلس حقوق الانسان بضرورة اتخاذ قرار واصدار بيان موحد يدين حرق المصحف الشريف،، وهو تحرك ثمن إيجابيته الدكتور عبد؟الله بركات عميد كلية الدعوة الاسبق، حين شدد في حديث بيننا عبر الهاتف علي ضعف رد فعل المظاهرات علي المستوي الدولي، خاصة مع تكرار مثل هذه الحماقات سابقا ولاحقا، مقارنة بقوة المواقف الرسمية التي تتخذها الدول الاسلامية من خلال الضغط علي المؤسسات الاممية والدولية، لانصاف الاسلام الوسطي السمح، مؤكدا حفظ الله لكتابه وإن عمدوا الي ازدرائه بحرق أوراقه أو الاساءة الي رسوله، أو انتهاك عرض مقدساته، تاليا قوله تعالي "قل موتوا بغيظكم.. ان الله عليم بذات الصدور".