حقائق متجددة وكوارث لا تنتهي التغيرات المناخية وراء الحروب التاريخية
محيط - سهير عثمان
يُعتبر تغير المناخ أمرًا معقدًا - حيث تكتنفه العديد من العوامل الديناميكية ولعل من بين العوامل الرئيسية العلاقة بين الأرض والشمس. وقد قام العالم الفلكي ميلوتين ميلانكوفيتش (1879 - 1958) بدراسة التغيرات في شكل مدار الأرض حول الشمس وميل محور الأرض ، ومن ثم وضع نظرية مفادها أن تلك التغيرات الدورية والتفاعلات التي تحدث فيما بينها، تُعد مسؤولة عن التغيرات طويلة الأجل في المناخ. وقد درس ميلانكوفيتش ثلاثة عوامل: 1- التغيرات في ميلمحور الأرض. 2- التغيرات في شكل مدار الأرض حول الشمس . 3- الحركة المدارية التغيرات في كيفية توجه المحور بالنسبة للمدار.
ولأن الأمر معقد منذ البداية كما شاهدنا ، فقد خرج علينا باحثون محذرين من ان ارتفاع حرارة الارض هو أحد أخطر التهديدات التي تواجه البشر وأوضحوا في دراسة جديدة كيف أدت التغيرات المناخية في الماضي الى المجاعة والحروب وانخفاض عدد السكان .
وكتب علماء من الصين وهونج كونج والولايات المتحدة وبريطانيا في دورية محاضر أعمال الاكاديمية الوطنية للعلوم – وفقا لجريدة الراية القطرية - ان عدد السكان المتزايد في العالم ربما لا يمكنه التكيف بصورة ملائمة مع التغيرات البيئية الناجمة عن الارتفاع المتوقع في درجات حرارة الكرة الارضية.
وعبر قراءة الاحداث التاريخية واستنباط نماذج ذات علاقة متبادلة وجد الباحثون ان انخفاض الحرارة اعقبته حروب ومجاعات وانخفاض في عدد السكان.
ودرس الباحثون الفترة بين عامي 1400 و1900 أو العصر الجليدي الاصغر التي سجلت فيها درجات الحرارة أقل معدلات لها في اعوام 1450 و1650 و1820 وهي فترات فصلتها فترات دفء بسيطة. وقال ديفيد تشانج أستاذ الجغرافيا في جامعة هونج كونج "عندما تحدث هذه الاوضاع البيئية يميل الناس الى الانتقال الى مكان اخر.
وتؤدي هذه الانتقالات الكبيرة الى الحرب كما حدث في القرن الثالث عشر عندما عانى سكان منغوليا من الجفاف فقاموا بغزو الصين , او سكان منشوريا الذين انتقلوا الى وسط الصين في القرن السابع عشر لان الظروف في الشمال الشرقي كانت مروعة خلال فترة البرد" . وأضاف "ربما لم ترتبط الاوبئة مباشرة بتغير الحرارة لكنها تحدث نتيجة للهجرة التي تهييء الفرص لانتشار الامراض" .
ورغم ان الدراسة استشهدت فقط بفترات انخفاض الحرارة في احداث مشكلات اجتماعية قال الباحثون ان ارتفاع الحرارة يمكن ان يسبب نفس المشكلات.
كما أفاد مسؤولون بالأممالمتحدة بأن ملايين الوظائف فى شتى أنحاء العالم قد تتأثر بتغير المناخ لكن جهوداً تبذل للتخفيف من إثاره ستخلق موجات ضخمة جديدة من التوظيف.
وأشارت وكالات الأممالمتحدة للمناخ والطقس، إلى أن ارتفاع حرارة الأرض قد يؤدي إلى اهلاك قطاع المصايد العالمية وتهديد صناعة السياحة والتسبب فى خسائر كبيرة فى الوظائف بين المشردين بسبب تأثيراته.
وأوضح اخيم شتاينر المدير التنفيذى لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة أن أعداداً كبيرة من الوظائف الجديدة ستنشأ فى قطاع تكنولوجيا البيئة حيث تعمل الدول على تجنب تغير المناخ والتخفيف من اثاره.
ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع حرارة الأرض الذى يربطه بعض العلماء بأنشطة إنسانية مثل حرق الوقود الباعث لثانى أكسيد الكربون إلى ارتفاع كبير فى مستويات البحار وإفساد أنماط المناخ فى كل أنحاء العالم، الأمر الذى قد يثير عواصف قوية ونوبات جفاف قد تتسبب فى نزوح الكثيرين من ديارهم.
تغير المناخ يؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية
وأفاد خبراء صحة دوليون بأن التغير المناخي الذي يتسبب فيه الاحتباس الحراري، يمكن أن يساهم في انتشار الأمراض المعدية في مناطق جديدة من العالم.
وأشار الخبراء إلى أن احتمال تسبب هذا التغير هو إطالة موسم انتشار بذور اللقاح، مما يؤدي إلى انتشار المزيد من الحشرات الحاملة للأمراض في شمال أوروبا، ويتيح للبعوض التكاثر في مناطق جديدة بأفريقيا وآسيا.
وأوضح المسؤولون بمنظمة الصحة العالمية في جنيف، أن ارتفاع درجات الحرارة في العالم بدأ يؤثر بالفعل على الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه، والتي تسببها الطفيليات في مناطق معرضة لخطر الجفاف والفيضانات.
وأيضاً .. سبب إنتشار الأوبئة
أظهرت دراسة جديدة أن التغيّر المناخي في العالم مسئول عن انتشار عدد كبير من الأوبئة في مختلف أرجاء العالم، مثل الحمى وفيروس غرب النيل وحمى الوادي، وغيرها من الأمراض الأخرى المستوطنة.
واكتشف الباحثون أن فيروس غرب النيل على سبيل المثال انتشر لأول مرة في نيويورك في 1999، وذلك في أعقاب فترة جفاف استمرت لمدة ثلاثة أسابيع . وأشارت الدراسات إن أجواء الجفاف تتسبب في قتل ونفوق عدد كبير من الجوارح مثل البوم والثعابين، ولذلك فإنه عندما تسقط الأمطار فإن القوارض التي تحمل فيروسات تلك الأمراض تنتشر بشكل كبير متسببة في زيادة نطاق العدوى والإصابة بين البشر.
آسيا .. الأكثر معاناة
كما حذر خبراء البيئة من أن قارة آسيا هي الأكثر عرضة للمخاطر الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة التغير المناخي.
وجاء ذلك في سياق تقرير أعده تحالف يضم 21 من وكالات للبيئة والمساعدات الإنسانية منها أصدقاء الأرض والسلام الأخضر وأوكسفام بالتعاون مع الهيئة الدولية للبيئة والتنمية، وحذر التقرير من ان الظواهر المرتبطة بالتغير المناخي تهدد التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي حققته دول القارة الآسيوية على مدى العقود الماضية.
أما الخطر الرئيسي الذي يهدد القارة الآسيوية خاصة الدول المطلة على المحيطين الهادئ والهندي هو ارتفاع منسوب المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وبحسب التقرير قد تكون آسيا مسرحاً للدراما الإنسانية لظاهرة التغير المناخي فنصف سكانها تقريباً يقطنون مناطق ساحلية هي الأكثر عرضة لكوارث طبيعية مثل الفيضانات والأعاصير الناجمة عن التغير المناخي، أي أن نحو ثلثي سكان العالم سيجدون انفسهم على خط المواجهة الأول مع مخاطر التغير المناخي.
لابد من وقفة دولية حاسمة
دعت منظمة الصحة العالمية أصحاب القرار السياسي في العالم إلى التحرك بسرعة لمعالجة مشكلة ارتفاع درجة حرارة الأرض الخطيرة، وإلا فإنه يتعين عليهم مواجهة تداعيات صحية واقتصادية خطيرة.
وأوضح شيجيرو اومي المدير الإقليمي لمنطقة غرب المحيط الهادي أن الأزمة الحالية تتوارى خلف حقيقة أن قضايا ارتفاع درجة الحرارة لا تمثل مشكلة ملحة لعدد كبير من الحكومات مقارنة بالمشكلات الصحية مثل الأمراض الوبائية سريعة الانتشار.
وحذر اومي من أن المجتمع الدولي بحاجة إلى أخذ القضية على محمل الجد حتى يمكن تحاشي تداعيات صحية محددة بفعل ارتفاع درجة حرارة الكون.