تمر اليوم ذكري ميلاد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت المولود في 31 مارس 1596 والذي يعتبر أبا الفلسفة العصرية لأن تأثيره كان كبيراً على المفكرين الذين أتوا من بعده وتأثروا بفلسفته. ولد ديكارت في بلدة "لاهى" من بلدان مقاطعة "الثورين" قرب نهر "الكروز" بفرنسا. وينتسب إلى أسرة من صغار الأشراف الفرنسيين، كان أبوه مستشارا ببرلمان "بريتاني"، أما أمه فماتت بعد مولده بثلاثة عشر شهرا. تلقى علومه الأولى في مدرسة "لافليش" إحدى مدارس اليسوعيين، فبقي يتعلم بها ثماني سنوات، تعلم فيها العلوم والفلسفة، وقضى السنوات الخمس الأولى في دراسة اللغات القديمة، والثلاثة الأخيرة في دراسة المنطق والأخلاق والرياضيات والطبيعيات والميتافيزيقيا. قصد هولندا ليتعلم صنعة الحرب على يد اشهر جندي في أوروبا موريس دوناسو، ثم توجه بعد ذلك إلى "بريدا" في هولندا فلقي هناك طبيبا مثقفا ذا علم واسع بالرياضة والطبيعة اسمه اسحق بيكمان فصادقه. وفي مطلع شبابه ذهب إلى باريس ولكن اعتراه الملل من بهرج المدينة فاعتكف لسنتين كاملتين يدرس هذه العلوم. بعد ذلك اكتشف رفاقه مخبأه فأفسدوا عليه خلوته ولذلك قرر مغادرة المدينة وعمل جندياً في الجيش وحارب في معارك مختلفة لعدة سنين ، أمضى ديكارت بعض الوقت في التنقل والأسفار ثم توجه ثانية إلى باريس، لكن رفاقه لم يتركوه وشأنه. حاول ديكارت العودة إلى عمله الأول كجندي ولكن لم يتسنَ له ذلك فلجأ إلى هولندا حيث عاش وعمل لعشرين سنة متنقلا من مكان إلى آخر لا يعرف مكان إقامته سوى قلة قليلة ممن يثق بهم من أصدقاء أوفياء. وهكذا استطاع أن يتعمق في التفكير وينجز الكثير. وقد تمكن في هولندا من حل مسألة حسابية وضعها أحد الرياضيين في الساحة العامة كتحدٍ لكل من يمر بتلك الساحة، وبذلك اكتسب صداقة الرياضي ، وفي بفاريا اكتشف ذات يوم أنه سيكون فيلسوفاً ولن يبقى جنديا بعد ذلك. ودرس ديكارت الفيزياء وعلم وظائف الأعضاء وقام باستحداث نظام كامل متكامل من علم الفلك. لكن شهرته قامت على كونه أحد أبرع علماء الرياضيات في التاريخ، بل وقد أصبح معلماً لعدد غير قليل من الفلاسفة. فلسفته كان ديكارت يعتقد أن الفلسفة التي اعتبرها الإعتقاد بالطبيعة والإنسان والله يجب أن لا تقوم على أساس الإيمان بل على أساس الفكر، معتبراً التفكير هو أنسب السبل لمعرفة الحقيقة تماماً كما أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين. أسهم ديكارت في الشك المنهجي حيث استهدف في شكه الوصول إلى اليقين وأسباب الشك لديه أنه يلزم أن نضع موضع الشك جميع الأشياء بقدر الإمكان ، و يبرر الشك أنه تلقى الكثير من الآراء الباطلة و حسبها صحيحة فكل مل بناه منذ ذلك الحين من مبادئ على هذا القدر من قلة الوثوق لا يكون إلا مشكوكا فيها إذن يلزم أن نقيم شيئا متينا في العلوم أن نبدأ بكل شيء من جديد و أن نوجه النظر إلى الأسس التي يقوم عليها البناء ، مثال المعطيات الخاصة للحواس ، فالحواس تخدعنا احيانا و الأفضل الا نثق بها أما الأشياء العامة كالعيون والرؤوس والأيدي التي يمكن ان تتألف منها الخيالات يمكن ان تكون هي نفسها خيالية محضة. وكان يسأل نفسه: "كيف أعرف أن لدي يدين وقدمين؟ وكيف أعرف أن الطاولة موجودة؟" ويجيب نفسه بالقول: "لا أعرف أياً من هذه الأشياء لكنني أعرف بأنني أفكر بها. وأما أشهر أقواله فهو "أنا أفكر ولذلك أنا موجود" الذي شاع لدرجة أنه أصبح مثلا. وهذا القول بالذات كان نقطة الأساس والمرتكز المحوري لفلسفته ، وكان يظن أنه من ذلك المنطلق يمكنه البرهنة على وجود الله وحل أكثر المسائل استعصاءً . وقد برع ديكارت في علوم كثيرة كان من اهمها علم نشأة الكون حيث وضع فكرة جديدة عن التطور الطبيعي للنظام الشمسي. وقد اعتقد أن دورات الجسيمات هي الشكل الرئيسي لحركة المادة الكونية، وأنها تحدد بناء العالم وأصل الاجرام السماوية . نستعيد اسمه في ما يدعى هندسة ديكارتية التي يتم بها دراسة الأشكال الهندسية ضمن نظام إحداثيات ديكارتي ضمن نطاق الهندسة المستوية التي تدمجها مع الجبر. وقد اعترضت الكنيسة على الكثير من نظرياته مع أنه بقي كاثوليكياً ملتزماً ، لكنه كان يلزم الحذر وقد جنّب نفسه مشاكل كثيرة. من بين تلاميذه كانت كريستينا ملكة السويد، وكانت قد أقنعته كي يترك هولندا ويأتي إلى بلاطها فلبى طلبها لكنه مرض بعد ذلك بفترة قصيرة وتوفي في عام 1650.