كتاب يرصد رحلة بينظير بوتو .. ابنة القدر محيط – شيرين صبحي جانب من الفعالية بجناح كاتب وكتاب "شخصية ولدت تحمل جينات الزعامة وملامح الجاذبية، وضعها القدر وسط نيران تصهر الحديد، فلم تنصهر، ورمتها أمواج الحياة علي صخرة الصراع والسلطة فلم تنكسر، ودفعها الثأر إلي الوقوف في صفوف البسطاء من أجل حياة عادلة فلم تتأخر أو تتردد".. بهذه الكلمات تقدم الكاتبة الصحفية نوال مصطفي كتابها " بينظير بوتو.. ابنة القدر" الصادر حديثا عن دار نهضة مصر، والذي ناقشه مؤخرا كلا من الدكتور سعيد اللاوندي، الروائي د. علاء الأسواني، والشاعر احمد الشهاوي، في ندوة ضمن معرض القاهرة الدولي للكتاب، أدارتها الناشرة داليا إبراهيم . عن الكتاب يقول الروائي المصري ذائع الصيت علاء الأسواني انه جاء يقدم نموذج حقيقي للكتابة الصحفية التي لا تقف عند الاسلوب الخبري ولكنها تتعدي هذا إلي عمق التحليل النفسي وإثارة الاسئلة وهذه سمة من سمات الأدب. وأول الاسئلة التي أثارها الكتاب إلي أي مدي يمكن لتيار يعتمد علي " قراءة إسلامية منغلقة " أن يكون سببا في تأخر الدولة؟ واضاف ان الاسلام الحقيقي بعيدا عن اي تطرف، وقد تعرضت بوتو لهذا الاغتيال لاتهامها بأنها عميلة للغرب، ودليلهم علي هذا هو حرصها علي الديمقراطية، فكيف يصبح هذا الحرص دليلا علي عمالتها؟!!. ثاني هذه الاسئلة هي فكرة الوطن حيث استطاعت المؤلفة ان تطرح فكرة الوطن بعمق ، فلم يكن لدي بوتو اي مشاكل حياتية وكانت تعيش في الخارج وهي من اسرة ثرية، فما الذي يدفعها للعودة للوطن؟ ماذا يعني الوطن؟ وما هذه الرغبة الملحة في العودة حتي لو كانت تعلم أن هذه هي النهاية؟ ويوضح الاسواني ان ثالث الافكار التي يطرحها الكتاب هي فكرة المصير حيث كان لديها احساس ان مصيرها قد تحدد لدرجة انها تركت رسائل تفتح إذا تم اغتيالها. ويضيف الاسواني: كلما اذهب للغرب اواجه بسؤال " خبيث " هو هل يمكن تحقيق الديمقراطية في دولة اسلامية؟ وهل لديك تفسير ان الديمقراطية نجحت في الهند ولم تنجح في باكستان؟! بالطبع السائل يريد ان يمرر لي الاجابة انه لا يمكن إقامة دولة ديمقراطية في دولة اسلامية،واجيب أن الدول الاستعمارية لا تريد ان تكتمل الدائرة الديمقراطية في دولة اسلامية ولذلك فالغرب لا يسمح لباكستان بهذا حتي لا تصبح نموذجا لدولة اسلامية ديمقراطية. اغتيال بوتو لا يزال يثير تساؤلات الشاعر المصري احمد الشهاوي أشار أن الكتاب جمع فنون مختلفة من أشكال الكتابة، إضافة إلي انه سيرة فنجد التحليل السياسي وكذلك الحوار الذي تمثل في حوارين انفردت بهما المؤلفة مع بي نظير وزوجها. والكتاب جاء في صورة مراجعة ومساءلة بعيدا عن العاطفية. ويعلق: كانت بي نظير موجودة في عقل الكاتبة منذ إجراء حوار معها في إسلام آباد وحصلت عنه علي جائزة التفوق الصحفي من نقابة الصحفيين، وقد ظلت حاضرة في روحها طوال ما يقرب من عشرين عاما ومن ثم لم تجد صعوبة في إنجاز كتابها في وقت قياسي ، ساعات معدودة، وبعمق تحسد عليه. يشير الدكتور سعيد اللاوندي إلي أن مقتل بوتو لم يكن حادثا دراماتيكيا فقط وانه تغيير كامل في هذه المنطقة السياسية.،هذا المقتل مقتل فكر وتوجه وسياسة لسيدة كانت اصغر وأول رئيسة وزراء في دولة اسلامية. فكيف تصل هذه السيدة وتملك ناصية هذه الدولة وتضع يدها علي الأرقام الخاصة بالقنبلة النووية الاسلامية؟ . البعض يقول ان ما حدث مع بوتو حدث ايضا مع شاه ايران الذي جاءت به الولاياتالمتحدة ثم تخلت عنه، ولكن الكتاب يكشف زيف بعض هذه الأفكار. ويتساءل اللاوندي هل ابتلعت بوتو طعما امريكيا أم أن هناك أشياء تحت الرماد، فالولاياتالمتحدة تقول انها تعد علي الناس انفاسهم عبر 17 جهاز مخابرات، فإذا كان هذا حقيقيا فكيف حدث هذا مع بوتو دون أن تجيبنا هذه الاجهزة من وراء هذا الحادث؟ هل حدث هذا في غفلة منها؟ هل كانت تعرف المتهمون أم تواطئت معهم؟ هل غضت الطرف عما يحدث او ساعدت مشرف؟.. اسئلة كثيرة لا يزال يثيرها اغتيال بوتو. وتعقب مؤلفة الكتاب نوال مصطفي ان بوتو ليست فقط رمزا للمرأة الشجاعة ولكنها رمز نادر لإمرأة آمنت بالوطن ولم تكن في حاجة إلي كل هذا العذاب من النفي مرة بعيدا عن زوجها ومرة بعيدة عن أولادها، قصة حياتها فيها الكثير من التراجيديا والصعود والهبوط.. أرادت أن تكون نموذجا ودفعت ثمنا لذلك حياتها حتي تتجسد رمزا للرؤية الإصلاحية والشجاعة. تقول المؤلفة علي غلاف الكتاب الواقع في 174 صفحة من القطع الصغير: "لقد ظلت بينظير بوتو تتأرجح بين الصعود والهبوط.. السلطة والمعارضة.. القمة والقاعدة.. الطموح والجنوح.. النعيم والجحيم.. قوة الحاكمة وضعف العاشقة.. هل هناك شخصية يمكن أن تلفت نظري وتثير خيالي وتحفزني لفك طلاسمها والتوصل إلي شفرتها أكثر منها؟!.. إنها واحدة من الزعامات التي سيتذكرها التاريخ، وستحفظ قصتها الأجيال، لا باعتبارها أصغر رئيسة وزراء لدولة إسلامية في العصر الحديث، ولا باعتبارها واحدة من أجمل خمسين امرأة في العالم، كما جاء في استطلاع رأي أجرته مجلة "people" في نهاية عام 2007 ، ولكن لأنها امرأة وقفت بشجاعة – لا نظير لها - في وجه الحكم الشمولي الدكتاتوري وتبنت رؤية إصلاحية حقيقية حلمت بأن تنفذها في باكستان، واستطاعت ان تهزم الخوف داخلها حتي لا تسمح لنفسها بالتراجع أو الانسحاب من مواجهة حقيقية وجها لوجه مع الفساد السياسي في بلادها." بينظير في سطور ولدت بينظير بوتو في 21 يونيو 1953 بكراتشي لرئيس باكستان السابق ذو الفقار علي بوتو. كانت أكبر أربعة أبناء لذو الفقار من زوجته الثانية نصرت إصفهاني وهي شيعية المذهب اسماعيلية. تخرجت في جامعة أكسفورد البريطانية عام 1978، كما درست بجامعة هارفارد الأمريكية. وتزوجت من السياسي علي آصف زرداري وأنجبت منه ثلاثة أطفال. دخلت معترك السياسة بعد إعدام والدها عام 1979 بعد انقلاب الجنرال ضياء الحق عليه، حتى أصبحت حين كان عمرها 35 عاما أول رئيسة وزراء مسلمة، وأصغر رئيسة وزراء في العالم ولمرتين عامي 1988 و1994. وفي 1999 رحلت إلى منفى اختياري بدبي، لتعود في أكتوبر 2007 كمنافس قوي للرئيس برويز مشرف، مستغلة مروره بأسوأ أزماته السياسية بسبب نقمة الشعب علي سياساته الخاصة بمكافحة "الإرهاب"، وبدأت التمهيد لخوض الانتخابات التشريعية القادمة أملا في رئاسة الحكومة للمرة الثالثة. ونجت من محاولة اغتيال في 18 أكتوبر. رحلت يوم 27 ديسمبر 2007 بعد خروجها من مؤتمر انتخابي لمناصريها ، حيث كانت تقف في فتحة سقف سيارتها لتحية الجماهير المحتشدة ، فتم إطلاق النار عليها و قتلت برصاص في العنق والصدر اتبعها عملية تفجير إنتحاري يبعد عنها 25 مترا. و قد هزّ الانفجار المنطقة التي كان يمرّ بها موكبها في مدينة روالبندي. أعلن وقتها أنّها غادرت الموكب، ثم أعلن زوجها لمحطات محلية إنّها أصيبت بجروح بالغة، ثم أضافت مصادر من حزبها إنها تخضع لعملية جراحية عاجلة. ليعاد بعد عشرين دقيقة إعلان وفاتها. من الكتاب نقرأ: من اليمين الناشرة والمؤلفة أثناء توقيع الكتاب "في زنزانة الأب كان الموقف عصيبا .. الأب يحاول التخفيف عن "بينكي" كما كان يحلو له أن يناديها .. يبتسم ويقول لها لا تبكي ولا تحزني .. كوني قوية من أجلي .. أريد أن تكون آخر صورة أراها هي وجهك الجميل والابتسامة تزيده جمالا. كادت "بينظير" تسقط خلف باب الزنزانة عندما سحب والدها يديه من يديها وهو يربت عليها، ويطلب منها أن تستجيب لكلام الضابط وألا تثور عليه، إنها لم تمكث أكثر من 30 دقيقة، كانت هي كل الوقت المسموح لها هي وأمها لرؤية أبيها قبل تنفيذ الإعدام .. وصرخت "بينظير" في وجه الضابط: كيف .. كيف أودعه من خلف الزنزانة؟ افتحوا الباب أريد أن أقبّله .. أريد أن أضمه، إنني ابنة رئيس وزراء باكستان .. إنني ابنة الزعيم ذو الفقار علي بوتو. وعبثا .. ذهبت صيحاتها أدراج الرياح .. لم يستجب أحد لدموعها .. وأعدم ذو الفقار علي بوتو علي يد الدكتاتور ضياء الحق". كتبت هذا المشهد بينظير بوتو بنفسها في كتابها "ابنة الشرق" وأوردته المؤلفة نوال مصطفي في كتابها متساءلة هل صنعت دماء الأب تاريخ الابنة؟ وهل كتبت تفاصيل هذا المشهد الدرامي قدر بينظير الذي لم تكن يوما تعتقد انه ينتظرها؟ ثم تبدأ الكاتبة في سرد قصة حياة بينظير بوتو التي رحلت يوم 27 ديسمبر 2007، مخلفة ورائها العديد من علامات الاستفهام ومستقبل غامض لباكستان. وتقول المؤلفة في أخر الكتاب "أن الخطأ الفادح الذي لن يغفره التاريخ لبينظير هو الوصية التي كتبتها قبل اغتيالها الآثم .. لتوصي بتولي ابنها الشاب الصغير بيلاوال زعامة حزب الشعب بعدها .. علي أن يعاونه والده .. زوجها (مرة أخري). وبهذا الخطأ تثبت بينظير أن النخب السياسية الحاكمة في العالم الثالث التي تدعو بكل حرارة إلي تكريس الديمقراطية، هي نفسها التي تسد الطريق إلي هذه الديمقراطية بممارستها العاشقة للسلطة حتي بعد الرحيل". وتنهي المؤلفة كتابها بتساؤلات عاتبة: لماذا يا بينظير وقعت في هذا الخطأ الفادح؟ لماذا تشبثت بحلم التوريث فأنساك الحلم بالديمقراطية؟ ولماذا سمحت بالبقع السوداء أن تعلق بثوبك الأبيض؟ أسئلة لن يجيب عنها إلا بينظير.. ولن تجيب عنها.