الفنان صلاح المليجى يقام حاليا معرض في فن التصوير لفنان الجرفيك الكبير الدكتور صلاح المليجي رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض بقاعة العرض المتغير في متحف محمود مختار, ويضم هذا المعرض مجموعة كبيرة من لوحات الفنان في التصوير الملون بألوان هادئة هامسة, أكدت الانسجام بين عناصر اللوحة والتكوين.
وبالنسبة لي كناقد عرفت أعمال المليجي منذ ما يزيد عن عشرين عاما كمتخصص في فن الجرافيك, وشاركت في لجان التحكيم بالدورات الأولى لصالون الشباب التي شارك فيها الفنان في ذلك الوقت, وحصل خلالها على عدد من الجوائز, حيث لا أنسى لمساته الدقيقة, ودرجات اللون الواحد الهادئة والناعمة والرقيقة, كما استمرت متابعتي لأعماله ومتعة تذوقها حيث انطبع في مخيلتي أسلوبه المتميز وبصمته الخاصة.
ومن هنا وقد كان معرضه الأخير في فن التصوير كفرع قائم بذاته شبه مفاجأة لي في الوهلة الأولى, ثم تابعت تأمل تلك اللوحات التي تقارب الثلاثين بمساحاتها المختلفة صغيرة وكبيرة, حيث اجتذبتني جماليات العلاقات اللونية وهارمونيتها وشفافيتها وتأثيرها الهاديء الحالم, وكأن الفنان يسقط على مسطح اللوحة مجموعة متناسقة متقاربة من أحلامه في إطار تجريدي خيالي, أشعرني بما يطلق عليه في المذهب التجريدي في مراحله الجديدة " الكونية في التعبير", و"الفضائية أيضا في التعبير", مما يرتبط في وجدان الفنان والمتلقي معا بمعلومة غزو الفضاء, والوصول إلى القمر ورؤية الكون من هناك كما كان يقول أول رائد فضاء في القرن العشرين.
وربما كان مسمى هذا المعرض الذي اختاره الفنان وهو "زبد البحر" مرتبطا أيضا بالإيحاء والإحساس بالمساحات والسطوع الشاسعة الممتدة بلا نهاية والتي تعبر الآفاق.. ربما كان هذا غلافا لأحاسيس الفنان المليجي وهو يمارس أداءه على مسطحات تلك اللوحات, حتى أشعرني بأنه قد أفرد أمامه هذه اللوحات وهي بيضاء ثم وقف بينها يلقي باللمسات اللونية من بالتته الهادئة ذهابا وعودة, حتى تذكرت بعض رواد التجريد في العالم وأيضا في مصر مثل فؤاد كامل في مرحلة الخمسينات من القرن الماضي, حيث كان يضع التوال مسطحا فوق الأرض ويلقي بالألوان بانفعال وتمرد.
وإذا استعرضنا أعمال التجريديين المصريين المعروفين الذين مازالوا يشقون هذا الطريق, فأننا نتذكر هنا تلوينات محمد رزق واندفاعات فاروق حسني وهمسات جاذبية سري الصاخبة.
وقد يثير هذا المعرض شجنا فنيا للذين يبحثون في الجذور ويتطلعون في ذات الوقت إلى الزمن القادم وما يحمله من إيحاءات بأساليب ربما لم يكتمل قوامها لكنها تواصل بشجاعة نحو المجهول, كما كان يحلم رمسيس يونان ورفاقه الطموحين.
تحية للفنان صلاح المليجي الذي نجح في دفعنا إلى مواصلة التأمل؛ ليسهم في إزاحة الركود والتسطيح الذي يتمثل في غالبية ما يقدم على الساحة اليوم.