فنان من أبرز فناني الجرافيك في مصر, دائم التجديد, أصبحت المساحات الكبيرة علامة مميزة لأعماله في الأعوام الأخيرة, هو الفنان د. عبد الوهاب عبد المحسن, الذي عبر عن إحساسه بالأرض وتشققاتها ومساحاتها البانورامية بحس إنساني عميق. محيط رهام محمود فنان عرف بألوانه الحية, وبلتته الغنية, التي تصل لدرجة عالية من الشفافية سواء في الطباعة أو الرسم, ولد ببلقاس في محافظة الدقهلية عام 1951, وحصل على بكالوريوس الفنون الجميلة قسم جرافيك من جامعة الإسكندرية عام 1976, ونال درجة الدكتوراه في فلسفة الفن من جامعة حلوان عام 1998عن بحث بعنوان "رؤية تشكيلية معاصرة" لرسالة الغفران لأبى العلاء المعرى, من خلال فن الحفر. يدرس مادة التصميم بأكاديمية الفن والتصميم في المعهد العالي للفنون التطبيقية, أقام حوالي ثلاثين معرضا خاصا, كما شارك في أكثر من أربعة وعشرون معرضا جماعيا محليا, ونحو سبعة وأربعون معرضا دوليا. حصل على منحة التفرغ للإبداع من وزارة الثقافة المصرية عام 1990 إلى 1995, كما فاز بعدد كبير من الجوائز من بينها جائزة لجنة التحكيم فى بينالى الإسكندرية الثامن عشر للجرافيك 1994, وجائزة شرفية في ترينالى الجرافيك الثانى بالقاهرة عام 1997, وجائزة لجنة التحكيم فى ترينالى الجرافيك الثالث عام 2001. وقد تولى مؤخرا منصب رئيس الإدارة المركزية للفنون بالهيئة العامة لقصور الثقافة, وفي ضوء إقامته ومشاركاته المتعددة في المعارض, وتجاربه المتجددة دائما, توجهت أليه شبكة الأخبار العربية "محيط" وكان هذا الحوار. محيط: حدثنا عن تجاربك الجرافيكية؟ عبد المحسن: أنا عندي تجربة جرافيك عمرها خمسة وعشرون عاما, للطباعة البارزة على سطح الخشب, أعالج فيها العناصر المحيطة بي, وأضع رؤيتي الخاصة جدا من البيئة التي أعيشها, من خلال صياغات بصرية تعتمد على الإيقاعات واللون والخط والمساحة والتنوع... لغة تشكيلية خالصة تحمل قوتها وأمانها. وبالتالي فكرة اللون عندي لها علاقة بالتعبير فهو بمثابة وسيلة تعبير, لكن طول الوقت أحاول أن أخرج عن المألوف في فكرة اللون؛ ولذلك أدخل مساحات جديدة من المغامرة في اللون وفي العلاقات, والتجربة مستمرة للجرافيك حتى الآن. أما عن الفترة الأخيرة من أعمالي الجرافيكية, تعمدت الاقتصاد في اللون, فبدأت استغل التجربة بالأسود والأبيض, كنت أعالج فيها أيضا الموضوعات الخاصة بالبيئة المحيطة. محيط: وماذا عن تجربة تشققات الأرض؟ عبد المحسن: تجربة تشققات الأرض هو نفس الموضوع "البيئة المحيطة" ولكن تناولتها بطريقة أخرى من خلال "الأنيستلاشن", الذي يعتمد على الوسائط الحديثة مثل الفوتوغرافيا والفيديو مع التركيبات النحتية, عمل عبد الوهاب عبد المحسن.jpg على أثاث أن الموضوع يحتاج تكثيف للحظة التعبيرية, فبالتالي استعملت الوسائط التي تكثف الحالة, وفي نفس الوقت تقبض على لحظات معينه لا يمكن الوصول أليها إلا عن طريق هذه الوسائط. محيط: ما الذي جذبك لمشروع تشققات الأرض؟ عبد المحسن: أنا طول الوقت منشغل بفكرة الإيقاع, والإيقاع عندي يتحول في لحظة إلى موسيقى, وفي لحظة أخرى يتحول إلى إيقاع بصري, فتشققات الأرض إيقاع متنوع ومتناغم ومتغير أيضا, وهذا مهم جدا فالأرض إيقاعاتها تختلف يوم عن يوم لا تثبت مطلقا, وهذا إيقاع يثري المشهد ويضيف أليه عمق تعبيري للموضوع وله دلالة ليست بمعناها السطحي "كمعنى الدمار أو الخراب لتشقق الأرض, ليست هذا" بل يمكن أن تأتي بمعنى أنها لها علاقة تمس تشققات الروح والعاطفة والجسد شهواته وتوهجاته وغير ذلك . محيط: ما هي التقنيات المختلفة التي استخدمتها في تجربة تشققات الأرض؟ عبد المحسن: استخدمت وسائط متعددة, عالجتها بتكنيك الجرافيك "الطباعة البارزة", وعالجتها بالفيديو آرت, والأنيستليشن, وبالرسم والفوتوغرافيا, وكل وسيط كان له معنى, وله أيضا قدرته التعبيرية وطاقته الكامنة بداخلة فبالتالي يعطي ذلك تنوع وغنى للمشهد البصري. محيط: كيف وصلت بلتتك الغنية للجرافيك إلى درجة عالية من الشفافية التي تكاد تلغي الألوان في تشققات الأرض؟ عبد المحسن: اللون إيقاع, والتشققات إيقاع, "مثل الإنسان" لا يمكن أن أضع إيقاعين يضرا بعضهما ولا يؤكد أيا منهما الآخر, بل من الممكن أن يطغيا على بعضهما , لكنني أعتقد أن لكل منهم إيقاعا منفرداً , فلابد أن استعمل إيقاعا واحدا, أو على الأقل أنا احتاج لإيقاع واحد في هذه اللحظة ليست اثنان, فالعمل يحتاج إيقاع واحد منسجم, وليست نوعين من الآلات, فمثلا عندما نستمع لعزف أوركسترا, وفي نفس الوقت نستمع لنجد معزوفة أخرى لابد للإنسان أن ينتقي إحداهما فقط. محيط: هل يستطيع الفنان أن يعيش بالفن فقط دون اللجوء لعمل آخر كوظيفة إدارية أو أكاديمية ؟ عبد المحسن: قد يحتاج الفنان لكليهما , لكني أعتقد أن التفرغ للفن أهم بكثير من أي وظيفة. محيط: ما انطباعك عن حركة الاقتناء في مصر, وهل تواجه أزمة؟ عبد المحسن: كل شيء في مصر له علاقة بالعلاقات العامة , وقدرتك على إقامة اتصالات لا شك أنها تساعد كثيراً. محيط: تثار خلافات حول لجان التحكيم في مسابقات من مثل صالون الشباب أو البينالي, ما تصورك للمواصفات السليمة التي يجب أن تتوافر في أعضاء هذه اللجان؟ عبد المحسن: لابد أن يتمتع عضو اللجنة بالنزاهة والحيادية, وهذا لا يعني اتفاق لجان التحكيم مع بعضهم ، فالاختلاف طبيعي أن يحدث وكل لجنة لها وجهة نظر وخيارات , ولكن توافر النزاهة التي ذكرناها مع القدرة على اتخاذ القرار الصائب وعدم السماح للمؤثرات والضغوط الخارجية بالتأثير في التحكيم ، يجعل اللجنة ناجحة , وتظل نتائج اللجان مثار نقد دائما . محيط: نلاحظ أن عدد أعضاء لجان التحكيم الفنية خارج مصر لا يتعدى أربعة أعضاء ، ولكن عندنا قد يصل العدد لنحو 13 عضوا .. هل يؤثر ذلك على اللجنة؟ عبد المحسن: لن يفرق العدد ، جميع لجان التحكيم حول العالم تعتمد في نجاحها على المعايير ذاتها وهي الموضوعية والنزاهة ، مع العلم بأن الاتفاق على نتائج لجان التحكيم أمر لا يحدث . محيط: ما تصورك لوصول الفنان المصري للعالمية؟ عبد المحسن: لا يوجد حاليا عالمية, ولا محلية, لكن العالم حاليا قرية صغيرة, كل فرد يجلس في منزله ويتواصل مع العالم بأكمله, فهذا أصبح لا يهم حاليا, كل فرد يؤمن نفسه فقط ويعمل ما يحب وما يريد. محيط: في رأيك ما الذي يوصل الفنان للشهرة؟ عبد المحسن: الشهرة ليس لها علاقة بالفنان, لكنها لها علاقة بظروفه وحظه وتعامله مع المجتمع, واسمه وشكله وقدرته على الاتصال بالناس, لكنها ليس لها علاقة بالفن نهائيا. محيط: في ضوء تطور أساليبك عبر مراحل متقاربة, كيف تستشعر مرحلة إبداعك القادمة؟ عبد المحسن: لن أحدد موضوعا لتناوله في المرحلة المقبلة لكن مازال لدي القدرة على المغامرة والجرأة والتمرد, فأنا مطمأن من داخلي لقدرتي على التمرد على المكتسبات التي وصلت إليها وكذا قدرتي على بدء تجارب جديدة جدا.