يعد فن الجرافيك بتقنياته المتعددة من بين فنون التشكيل الأقرب إلي تفاعل الكلمة مع الصورة, لأنه فن ارتبط منذ البداية بفن الكتاب. وبتوضيح الكلمة والفكر وفن الجرافيك في معناه العام هو فن قطع أو حفر أو معالجة الألواح الخشبية أو المعدنية أو أي مادة أخري. بهدف تحقيق أسطح طباعية, والحصول علي تأثيرات فنية تشكيلية مختلفة عن طريق طباعتها. وقد استعمل الحفر أو الخدش علي الأسطح منذ أقدم العصور التي عرف فيها الإنسان الفن, فالإنسان البدائي قام بالحفر علي الصخور وعظام الحيوانات وكذلك استخدمه في صناعة الأواني الفخارية, كما استعمل هذا الفن لدي الصينيين لعمل الزخارف لطباعة الأقمشة, وكانت أول صورة ظهرت في الشرق مطبوعة علي لوح خشبي محفور ترجع إلي سنة868 ق.م. وعلي أرض مدينة الإسكندرية عروس البحر المتوسط افتتح الدكتور إسماعيل سراح الدين مدير مكتبة الإسكندرية, وبحضور المايسترو محيي الدين شريف مدير مركز الفنون, والدكتور مصطفي الرزاز, أول بينالي لفن الجرافيك, بينالي مكتبة الإسكندرية الدولي للحفر الصغير, بمشاركة الفنان فاروق شحاتة ضيف شرف البينالي في دورته الأولي وصاحب فكرة إقامة هذا البينالي. والذي انتقل الآن إلي قاعة آزيس بمتحف محمود مختار. ونشأت فكرة إقامة بينالي دولي للحفر الصغير عندما زار الفنان فاروق شحاتة البينالي المجري للحفر الصغير, وبعد عودته عرض الفكرة علي المايسترو شريف محيي الدين مع تصميم الكتالوج, ذلك أن المعرض لايكلف كثيرا حيث يرسل الفنانون أعمالهم عن طريق البريد, لأن الأعمال المشاركة في البينالي لاتزيد علي عشرة سنتيمترات, وتحمس لها المايسترو شريف وعرضها علي الدكتور إسماعيل سراج الدين الذي وافق عليها وكون فريق العمل المشرف علي البينالي من الدكتور مصطفي الرزاز رئيسا للبينالي, والدكتور أحمد عبدالغني منسقا للمعرض, بالإضافة إلي بعض العاملين بالمكتبة. وكانت مكتبة الإسكندرية قد مهدت لهذا البينالي الوليد بإقامة فعاليات عدة, منها إقامة معرض لبانوراما فن الجرافيك المصري في القرن العشرين, وأصدرت كتابا تذكاريا يوثق لهذه الحركة الجرافيكية في عام2004, كما استضافت جناحا كبيرا من ترينالي فن الجرافيك الدولي في عام2003, كذلك أقامت مكتبة الإسكندرية معرضا وملتقي فكريا عن علاقة أجيال الجرافيكيين المصريين ب( أوربينو) وأكاديميتها المرموقة عالميا في هذا المجال وحدث تواصل بينها وبين أكاديمية الجرافيك البولندي بالمكتبة. وعن رأيه في إقامة هذا البينالي الجديد يري الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية أن لديه شعورا بالسعادة يغمره لبدء الدورة الأولي من البينالي الدولي للجرافيك الصغير الذي يتلقي فيه إبداعات فنانين من أرجاء واسعة من العالم تشغلهم المشاعر تجاه الأفكار الإنسانية وأطيافها الأسلوبية لنضيفه رصيدا إلي مجهوداتنا في هذا المجال, كما يري أن هذا البينالي يمثل حوارا متفاعلا لأفكار ومشاعر راقية نعتز بها كثيرا. وشهد افتتاح الدورة التأسيسية لبينالي مكتبة الإسكندرية الدولي للجرافيك الصغير زخما مشعا توافرت فيه كل عوامل الحماس والصدق فتألق الحدث بما أثري الساحة الفنية والثقافية, حيث يظل فن الجرافيك ملهما ومؤثرا في مختلف نواحي الحياة, وعلي الرغم من عراقة وتاريخ هذا الفن, فإننا لم نشاهد حتي الآن كل إمكاناته الابداعية سواء الجمالية أو التقنية وذلك بسبب ارتباطه بتكنولوجيا الفنون, لذا يأتي بينالي مكتبة الإسكندرية ليكشف عن جوانب جديدة في هذا النشاط الفني والجمالي الحيوي. وبنظرة علي الأعمال المعروضة نجدها قد استخدمت العديد من التقنيات في فنون الحفر التي تنوعت بين الحفر البارز والحفر الغائر والأكوتنت والميوزوتنت والليتوجراف الحفر الحجري والشاشة الحريرية, وقد استخدم العديد من الفنانين بعض الخامات والتقنيات المستحدثة مثل التصوير الفوتوغرافي والكمبيوتر والصورة الرقمية, حيث باتت التقنيات نفسها مصدرا لتجسيد الصور والأفكار مع استخدام التكنولوجيا المعاصرة والمستقبلية علي ما يسمي بالتداخل والتقاطع والتحريف ليعطي إحساسا بصريا بإيقاعات متجددة لتحول الأعمال إلي الإيقاع اللوني, بحيث تصبح لوحات فنية لا وجود لها إلا من خلال هذه التركيبات بأسلوب تجريدي معاصر. وشارك في أعمال الدورة الأولي لبينالي مكتبة الإسكندرية للجرافيك الصغير,38 دولة من شرق وغرب أوروبا وأمريكا والمكسيك وبعض الدول من آسيا وإفريقيا, حيث تم عرض480 عملا فنيا حيث تبدأ الأعمال من مقاس5 سم وحتي10 سم وهو أكبر مقاس لهذا الفن, بالإضافة إلي مشاركة18 فنانا مصريا رشحتهم اللجنة العليا للبينالي من رواد فن الجرافيك من الرواد وجيل الشباب. بقي أخيرا أننا نتمني لهذا البينالي الوليد دوام الاستمرار علي هذا النحو من الجدية في الإعداد والتنظيم, والاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها بينالي الإسكندرية الدولي في دورته الخامسة والعشرين, ليكون نواة لبينالي دولي محترم يحتل موقعا متميزا علي خريطة الفن التشكيلي العالمي يثري الحركة الفنية والثقافية عبر طرح الرؤي والتجارب المتنوعة, وتحية تقدير وإعزاز نرسلها لكل القائمين علي شأن البينالي.